منذ مطلع الألفية استهدفت دولة الإمارات تأسيس منظومة اقتصادية جديدة متنوعة المداخيل متحررة من الاعتماد على مداخيل الوقود الأحفوري،وتم ذلك من خلال عدة مشروعات تنموية عملاقة تدر عائد اقتصادي.
تستعرض هذه الدراسة واحد من أكبر المشاريع التنموية العملاقة في منطقة الخليج، وهو مشروع قطار الاتحاد الذي يعد أحد ابرز علامات التراكم الرأسمالي
يوضح العقد المبرم مع الشركة الاسبانية caf لتصميم وتصنيع وتوريد وصيانة قطارات الركاب لمشروع قطار الاتحاد بالاعتماد علي المشغل المحلي، وفق معاير السلامة والتصاميم المُطابقة للمعايير الأوروبية المعتمدة، حيث يتسع القطار الواحد لأكثر من 400 راكب، وتصل سرعته إلى 200 كم في الساعة، كذلك تتشارك الامارات مع شركتي رينفي الوطنية الاسبانية وشركتي هاي سبيد وان وجي بي رايل فاريت البريطانيتين بهدف تبادل وتعزيز الخبرات والمعرفة الفنية وافضل الممارسات في مجالات خدمة السكك الحديدة، الامر الذي يمثل إضافة نوعية لمنظومة النقل في الامارات .
أولا ماهية المشروع ومراحله:
بدأت فكرة انشاء منظومة قطارات تربط ١١ مدينة إماراتية، في عام ٢٠٠٩، واكتملت التصاميم والدراسات للمشروع بنهاية عام ٢٠١٣، وبدات الامارات تنفيذ المشروع في ٢٠١٦، بتكلفة اجمالية تتخطي ال ٤٠ مليار درهم، فيما تتكلف المرحلة الاولي فقط ٤.٧ مليار درهم. تغطي شبكة المشروع مسافة ١٢٠٠ كليو متر تمتد من حدود الامارات مع السعودية غربا وصولا الي حدودها مع عمان شرقا، وتعمل هذه الشبكة على نوعين من الربط هما :
أولا ربط دولة الامارات بالمملكة السعودية بداية من الغويفات والفجيرة في الساحل الشرقي الي ابوظبي ودبي والامارات الشمالية مع وجود نقاط اتصال أساسية مثل العين.
ثانيا شبكة ربط وطنية امارتية تتكون من محطات شحن ومراكز توزيع ومخازن تقع بالقرب من مراكز النقل ومستودعات ومرافق التخزين الأساسية في الامارات، حيث تربط مناطق المصفح وميناء خليفة، والمنطقة الحرة في جبل علي، وميناء الفجيرة، وميناء صقر. ليشكل بذلك جزءا حيويا من شبكة التوريد الإقليمية وحركة النقل التجارية علي مستوي العالم.
وفيما يتعلق بمراحل اكتمال المشروع، فوفقا للخطة المعلنة للمشروع فإنه يمر بمرحلتين أساسيتين تم الانتهاء من المرحلة الاولي وجزء من المرحلة الثانية وفيما يلي اهم ما تتضمنه المرحلتين فيما يتعلق بالحزم ومراحل بناء السكك:
المرحلة الأولى: بدأت المرحلة بانطلاق أول رحلة تجارية ضمن مسار الاتحاد المرحلة الأولى في ديسمبر 2015، وتمتد هذه المرحلة علي مسافة 264 كم، وبتكلفة ٤.٧ مليار درهم، وتربط مناطق شاه وحبشان بميناء الرويس، وبهذه المرحلة نوعين من القطارات الأول للمسافرين ويشمل ٧ عربات للمسافرين و والنوع الثاني للشحن ويشمل ١٠عربات شحن بضائع لكل قطار.
المرحلة الثانية: بدأت الاعمال فيها عام 2020، وتبلغ التكلفة الإجمالية للمرحلة 18 مليار درهم إماراتي، ويمتد مسارها على مسافة 605 كم، تتضمن ٤ حزم أساسية، وكذلك تتضمن بناء 35 جسر و37 نفق، ووفقا لما هو معلن تم الانتهاء من الحزمة أ التي تمتد على مسافة 139 كم، والتي تربط منطقة الغويفات مع مسار المرحلة الأولى، فيما تمتد الحزمة ب من طريف إلى سيح شعيب على مسافة 216 كم، وتمتد الحزمة ج من جبل علي إلى الشارقة على مسافة 94 كم، وتمتد الحزمة د علي مسافة ١٤٥ كيلومتر تربط الفجيرة وميناء خورفكان بالشارقة وتتضمن إنشاء 15 نفق و35 جسر للحمولات الثقيلة. كما هو موضع بالشكل رقم ١:
ثانيا الأهمية الاستراتيجية لقطار الاتحاد
كثيرة هي فوائد قطار الاتحاد وعلى أكثر من مستوي خاصة بعد ان أصبحت ملموسة بعد الانتهاء من المرحلة الاولي، ومن المتوقع ان تتضاعف هذه الفوائد بعد إتمام المشروع ككل، وفيما يلي اهم فؤاد مشروع قطار الاتحاد:
- على مستوي التوظيف: سيوفر المشروع أكثر من 9000 وظيفة في السكك الحديدية والقطاعات الداعمة بحلول عام 2030. كذلك يعمل المشروع على تأهيل الكفاءات الوطنية القادرة علي قيادة قطاع السكك الحديدية في المستقبل وتمكينهم بالمعارف والخبرات والمهارات العلمية الضرورية، اذ يتضمن المشروع 9 أنفاق عبر الجبال و54 جسراً و20 معبراً للحيوانات تم حفر الأنفاق التسعة بتسجيل مليون ساعة عمل وبإشراف وتنفيذ أكثر من 600 خبير ومتخصص وعامل إلى جانب استخدام أحدث آلات حفر الأنفاق.
- علي مستوي العائد السياحي: فمن المتوقع ان تبلغ عوائد قطار الاتحاد ٢٤مليار درهم إماراتي عوائد من القطاع السياحي تقريباً، حيث ان كثيرا من الاسر المقيمة والسياحة الوافدة ليس لديهم رخص قيادة للسيارات، وبالتالي فان القطار سوف يجعلهم ينتقلون في جميع انحاء الدولة بسهولة ويسر وسرعة، فضلا علي انه مستقبلا سوف يجعل من السفر الي دول مجلس التعاون اسهل وايسر من دون تحمل أي مشقة.
- علي مستوي الوقت: فانه الي جانب انه سوف يربط ١١ مدينة إماراتية و٦ دول خليجية مستقبلا فان اختصار المسافات والزمن المهدر في الانتقال اولي فوائد هذا المشروع اذ يختصر زمن الانتقال من عدة ساعات الي دقائق معدودة سيكون بإمكان رواد القطار التنقل بين العاصمة أبوظبي ودبي خلال 50 دقيقة فقط، وبين العاصمة أبوظبي والفجيرة خلال 100 دقيقة فقط. ومستقبلا سيقل أكثر من 36.5 مليون راكب سنوياً في عام 2030 كما سينقل 270 ألف طن من البضائع يومياً الامر الذي سوف يخفض التكاليف سواء في النقل أو التجارة
- على مستوي امان الطرق والاختناقات المرورية: سوف يعمل مشروع القطار على الحد بشكل كبير من حوادث السيارات التي تزداد نسبتها سنويا خاصة علي الطرق الدولية لسير النقل الي جانب العربات حيث سيؤدي القطار الواحد عمل ٣٠٠ عربة نقل ثقيل علي الطرق، الامر الذي سيخفض من حجم الازدحام والاختناقات المرورية.
- علي مستوي الحفاظ علي البيئة: سيقلل قطار الاتحاد انبعاثات الكربون بنسبة 70– 80% تماشيا مع السياسة البيئية للدولة مما يدعم جهودها في تحقيق الحياد المناخي، إضافة الي خفض أكثر من 2.2 مليون طن من الاحتباس الحراري
- علي مستوي التجارة: سيصبح قطار الاتحاد احد اكبر العوامل التي سوف تودي الي زيادة معدلات التجارة ونقل البضائع بين دول مجلس التعاون مع الامارات السبع. كذلك يعد عاملا مهما في جعل أبوظبي مركزا لوجستي لنقل وتوزيع البضائع. فحتى عام 2020 ، نقلت الاتحاد للقطارات أكثر من 30 مليون طن من حبيبات الكبريت لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك). وتعادل هذه الكمية حوالي 1.8 مليون شاحنة. وفي هذه المرحلة تمتلك شيكة الاتحاد القدرة على نقل 22,000 طن من حبيبات الكبريت يومياً.
- علي المستوي الاجتماعي: يسهم قطار الاتحاد في ربط المناطق النائية بالمدن الرئيسية، داخل الدولة، الامر الذي سيكون له المردود الإيجابي علي النمو الاقتصادي بشكل عام، وعلي التغير الديمغرافي بشكل خاص حيث راعي مخططو المشروع الدور الذي يقوم به النقل في احداث الترابط الاجتماعي بين افراد المجتمع من خلال ربط الريف بالحضر بطرق حديثة تسهل عملية الاتصال الاجتماعي بينهما، كذلك تسهم توسيع شبكات القطار بين ارجاء الدولة الواحدة من جهة وبين الأقطار المحيطة من جهة اخري، الامر الذي يسهم في تحقيق التطور والتكامل الاجتماعي علي كافة الأقطار المار بها المشروع.
ثالثا المردود الاقتصادي لمشروع قطار الاتحاد
تقوم عدد من المصارف والبنوك الإماراتية بتمويل هذا المشروع الضخم، ولعل اهم ما يتميز به هذا المشروع هو جودة التخطيط من حيث المردود الاقتصادي، فعلي مستوي مقياس الأداء التنموي لمشروع قطار الاتحاد نجد ان لديه أثر تنموي مستدام على اقتصاد الامارات بما يدعم اهداف اجندة حكومة الامارات للتنويع الاقتصادي والتحول الصناعي والتجاري، فعلي سبيل المثال يتبني مصرف الامارات للتنمية مقاربة فريدة في توفير حلول تمويلية مرنة بناءً على الأثر التنموي للمشروع. فضلا على انه يقدم حلول تنافسية للتمويل المباشر وغير المباشر وبفترات سداد مريحة مع فترات سماح وسقوف مرتفعة للتمويل مقارنة بقيمة المشروع.
ويقدّم المصرف هذه الحلول للشركات في القطاعات ذات الأولوية، مما يسهّل إنجاز المشاريع الكبرى مثل شبكات النقل. تلعب استراتيجية مصرف الإمارات للتنمية الجديدة دوراً محورياً في تمكين تنفيذ المشاريع ذات التأثير الاقتصادي المستدام. ويعد ذلك مكوناً أساسياً لتقييم أهلية الشركة أو المشروع للحصول على التمويل. وإلى جانب معايير التمويل المعتادة التي تستخدمها المصارف التجارية، يستخدم المصرف “مقياس الأداء التنموي” لتقييم الأثر الاقتصادي التنموي، ويشتمل المقياس معايير كمية ونوعية مثل تأثير المشروع على نمو الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص العمل إضافة إلى القيمة الوطنية المضافة للمشروع واعتماده التكنولوجيا المتقدمة أو مساهمته في إطلاق قطاعات جديدة أو التوسع في قطاعات قائمة.
وبالتطبيق علي مشروع قطار الاتحاد نجد انه يحتوي علي ثلاث مشاريع استراتيجية متكاملة ذات عائد تنموي طويل الأمد ويعمل علي تعزيز منظومة الرفاه المجتمعي. باستثمارات بلغلت قيمتها 50 مليار درهم، تستهدف 70% منها السوق المحلي، وهي كالتالي:
المشروع الأول: تطوير وربط الموانئ التجارية حيث يعد من أهم ملامح هذا المشروع أنه سوف يربط 4 موانئ رئيسية، كما سيتضمن بناء 7 مراكز لوجستية في دولة الإمارات خدم مختلف القطارات والأعمال. وسوف يبلغ حجم النقل 85 مليون طن من البضائع بحلول العام 2040. كما سيقلل تكاليف النقل بما يصل إلى 30%..
المشروع الثاني التغير الديمغرافي للمنطقة، حيث يعد قطار الاتحاد احد مشروعات النقل الضخم الذي ينظر اليه علي انه العصب الحساس في الكيان الاقتصادي والاجتماعي علي مستوي الدولة ككل، باعتباره الوسيلة الأكثر فاعلية في تحقيق الاتصال المستمر بين النقاط المختلفة للعملية الاقتصادية والإنتاجية، التي تتمثل في مواجهة التوسع الافقي للمدن، وتقليص المسافات بين المستهلك والمنتج، بما يمثله من اختصار لعامل الزمن او لنقل الايدي العاملة الي المواقع التي تتميز بالفاعلية الأكثر تأثيرا في العملية الإنتاجية لتحقيق الاستثمار الأفضل المدعوم براس المال البشري المؤهل الذي يعد أساس ارتقاء الدولة الحديثة، من خلال ما ينعكس علي مستوى معيشة الافراد وتحسين ظروف حياتهم الاجتماعية فمتطلبات المعادلة تقتضي بالمساواة في الحقوق والواجبات وبين العمل الجاد والمخلص من قبل المواطن والبنية التحتية القوية والاستثمارات النوعية، حيث تسهم البنية التحتية المتطورة في زيادة عمليات الإنتاج والخدمات، بالإضافة الي توزيع المنتجات في الأسواق وزيادة التغير الديمغرافي علي محاور منظومات النقل من خلال إعادة انتشار الخدمات الاجتماعية والاساسية، مثل المدارس والمستشفيات وغيرها من المؤسسات، لذا تعد البنية التحتية المتطورة هي ضرورة ملحة للحياة اليومية أي كل شيء يستخدم بشكل يومي
المشروع الثالث فهو خدمة النقل المتكامل ويتضمن هذا المشروع إنشاء مركز الابتكار في قطاع النقل تكون مهمته العمل علي ربط القطارات بشبكات من القطارات الخفيفة وحلول النقل الذكية داخل المدن لتكون بديلاً متكاملاً يخدم جميع سكان دولة الإمارات وزوّارها، وإنشاء تطبيقات وحلول ذكية لتخطيط وحجز الرحلات، وتحقيق التكامل بين العمليات اللوجستية وخدمات الموانئ والجمارك، وتقديم حلول لوجستية متكاملة للميل الأول والأخير. كذلك سوف يتم تطوير منظومة نقل شاملة ومتكاملة تفتح آفاقاً تنموية وفرصاً اقتصادية ثمينة تصل قيمتها إلى 200 مليار درهم؛ حيث سيبلغ مجموع الفوائد المقدرة لتخفيض الانبعاثات الكربونية 21 مليار درهم، كما سوف توفر 8 مليارات درهم من كلفة صيانة الطرق، بالإضافة إلى تحقيق فوائد سياحية تقدر قيمتها بنحو 23 مليار درهم خلال الـ50 عاماً المقبلة، كما ستبلغ قيمة الفوائد العامة على اقتصاد الدولة 23 مليار درهم.
خاتما فإن المتابع للخطط الحكومية الطموحة والجادة لدولة الامارات يجد أن هناك أهدافاً طموحة ومتطورة لقطاع البنية التحتية ، اذ تستهدف الامارات بأن تكون اكبر اقتصادات المنطقة خلال السنوات القليلة القادمة وهو ما يتطلب تراكم استثمارات ضخمة في البنية التحتية وذلك في مجالات مثل بناء موانئ، جسور، مطارات، طرق، سكك حديدية وخطوط سكك حديدية فائقة السرعة.