ربما لفت نظرك انتشار ظواهر الجفاف والفيضانات وتآكل الشواطئ وغرق المدن والعديد من الظواهر الأخرى التي أخذت في التزايد في الآونة الأخيرة، وفي ظل ازدياد درجة حرارة الكوكب وإدراك العلماء لحقيقة وجود الاحتباس الحراري منذ منتصف القرن العشرين بدأ التوجه نحو التحدث عن احترار الأرض، إلا أنه مع منتصف السبعينيات ظهر الاتجاه القائل بأن هذا “التغير” ينتج عن عوامل بشرية وليس عن عوامل طبيعية فقط، وهذا تحديدًا هو “تغير المناخ”، الأمر الذي دفع حكومات العالم للتفاعل مع القضية.
وبدأ الاتجاه نحو عقد التزام عالمي منذ بروتوكول ريو دي جانيرو عام 1992، ومن بعده شرعت الأمم المتحدة في تنظيم مؤتمرات عالمية سنوية تعقد تحت اسم مؤتمرات الأطراف Conference of Parties وقد نتج عن تلك المؤتمرات العديد من الاتفاقيات الأخرى، والتي كان من أشهرها اتفاقية باريس 2015.
إلا أن اتفاقية باريس نفسها كانت محط انتقاد نظرًا لانسحاب الولايات المتحدة منها في 2020، واستمرار عدم التزام بعض الموقعين بما تم الاتفاق عليه في سياق الاتفاقية، وبالرغم من إنشاء “صندوق المناخ الأخضر” ومبادرة بعض دول الشمال لدعم دول الجنوب المتضررة بشكل مباشر من التغير المناخي، إلا أن تلك المساعدات لم توضع في إطار يسهم في الحد من المشكلة ولكنها كانت تمثل وفقًا لتعبير البعض “مسكنات”
الأمر الذي جعل تغير المناخ يؤثر بشكل واضح نتيجة لما نتج عنه من تداعيات سلبية شهدتها أقاليم مختلفة، مثل الهجرة المناخية التي شهدتها أقاليم في آسيا وأمريكا الوسطى أفريقيا والمحيط الهادي، والصراع الناتج عن تغير المناخ، وجفاف الأنهار العابرة للحدود في بعض المناطق، وعدم التوزيع العادل للسكان في مناطق أخرى.
وحيث أن الدول والحكومات تسعى نظريًا لتعظيم العائد الاقتصادي والأرباح والوصول لأقصى مستويات التشغيل، فإنها قد تقوم بسلوكيات أو تشرع ممارسات من شأنها الإضرار المناخي بأقاليم دول أخرى، الأمر الذي جعل التغير المناخي قضية مهمة للتناول على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية.
ما هو التغير المناخي؟
تعتبر بعض الدراسات أن التغير المناخي يرتبط بالتغير في حالة الجو خلال فترات زمنية متباعدة؛ فالتحول يعني فترات أطول من تلك التغيرات فهي تغيير متذبذب من حقبة لحقبة أخرى كتناوب حقب الجفاف وحقب الوفر المائي وتناوب الحقب الباردة والحقب الدافئة وبذلك يعتبر التغير مؤثر وطويل المدى في معدل حالة الطقس لمنطقة معينة .
ومن التعريفات التي تبنت تلك النظرة تعريف وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” حيث عرفت تغير المناخ على أنه تغير طويل الأجل في متوسط أنماط الطقس التي أصبحت تحدد مناخات الأرض المحلية والإقليمية والعالمية وهذه التغييرات لها نطاق واسع من التأثيرات المرصودة المرادفة للمصطلح .
وقد اعتبرت منظمة العفو الدولية أن “تغير المناخ هو التغير في حالة الجو بسبب سلوك بشري يمكن قياسه وهو قضية تتعلق بحقوق الإنسان؛ وذلك لا يعود فقط لكونه ذا تأثيراتٍ مدمرة تؤثر على التمتع بحقوق الإنسان، بل أيضًا لأنه ظاهرة من صنع البشر تستطيع الحكومات تخفيف حدتها”.
وتعرف اتفاقیة الأمم المتحدة الإطاریة تغیر المناخ أنه “تغیر فى المناخ یعزى بصورة مباشرة أو غیر مباشرة إلى النشاط البشرى الذى یفضي إلى تغیر فى تكوین الغلاف الجوى العالمى والذى یُلاحظ، بالإضافة إلى التقلب الطبیعى للمناخ على مدى فترات زمنیة متماثلة.”
وبالتالي فإن تغير المناخ إنما يشير في جوهره ليس فقط إلى التغير في درجات الحرارة وتفاوتها بين الحقب المختلفة، وإنما إلى انعكاسات هذه التغيرات على المظاهر المختلفة مثل الماء والتربة والأمطار والتأثيرات البيئية على السلوكيات الاجتماعية والاقتصادية.
متى بدأ الاهتمام بالتغير المناخي؟
بدأت القضية تنال أهمية في المحادثات والمنظمات الدولية مؤخرًا وتلعب دورها كمؤشر مستحدث في مواقف الدول إزاء بعضها البعض، ولم يكن ذلك الأمر وليد اللحظة بل كان له تطور تاريخي استمر لعدة عقود، فبينما أدرك العلماء التغير في درجات الحرارة في وقت مبكر من القرن العشرين؛ إلا أن التحدث عن تغير المناخ كنتيجة للسياسات الاقتصادية للدول وغيرها من العوامل البشرية لم يقدر له أن يأخذ ذلك الحيز قبل منتصف نفس القرن.
منذ نهاية السبعينيات، بدأت الدول تدرك الخطر الذي يحدق بها نتيجة التغيرات المناخية المتوقعة فتم تنظيم مؤتمر المناخ العالمي لعام 1979 الذي يشار إليه عادةً باسم المؤتمر العالمي الأول للمناخ من قبل لجنة برئاسة ممثل الولايات المتحدة الأمريكية ودعا إعلان المؤتمر جميع الدول إلى تقديم دعم قوي لبرنامج المناخ العالمي المقترح واقترح استراتيجيات فورية لمساعدة البلدان على الاستفادة بشكل أفضل من المعلومات المناخية في التخطيط للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
في عام 1990، نشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أول تقرير تقييم لها. وفي المملكة المتحدة ألقت رئيسة الوزراء آنذاك مارجريت تاتشر كلمة أمام المؤتمر العالمي الثاني للمناخ بعد وقت قصير من نشر تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وأشادت بعمل الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ باعتباره “إنجازًا رائعًا”، ودعت البلدان في جميع أنحاء العالم إلى العمل معًا للتفاوض بشأن اتفاقية إطارية ناجحة بشأن تغير المناخ في عام 1992.
يمكن القول بأن قضية تغير المناخ لم يتم إدراكها كقضية ذات أبعاد سياسية واقتصادية وجيوسياسية إلا مع منتصف القرن العشرين وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ومع نهاية السبعينيات بدأ العالم في الاصطفاف لاتخاذ موقف جمعي بشأن تلك القضية، إلا أن النتيجة المنتظرة لم تأتِ إلا مع بداية التسعينيات عندما نشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أول تقرير تقييم لها وبدأ قادة الدول الصناعية في التحدث عن القضية، إلا أن موافقة الدول الصناعية على ذلك الأمر في هذا التوقيت بعد رفضها لمدة طويلة لم يكن انصياعًا لرغبة الدول المتضررة بشكل كامل، لكن في ظل تفكك الاتحاد السوفيتي وفي ظل انخفاض حدة الاستقطاب، وما نتج عنه من تنافس صناعي، كان من الممكن أن توافق الدول الصناعية على اعتبار أنها أمام شكل جديد من أشكال النظام العالمي.
ما هي مظاهر التغير المناخي؟
بإمكان الناس الآن إدراك أن هناك تغير واضح غير طفيف في درجات الحرارة خلال فصول السنة المختلفة عن سابقاتها، الأمر الذي يبرهن أن تغير المناخ لا يحتاج إلى دراسات العلماء حتى يتم اقتفاء آثاره، ولكن بمقدرة أي شخص أن يتحقق من ذلك بالنظر إلى التقلبات الحرارية القوية المستمرة من عام لآخر.
ومظاهر تغير المناخ لا تقتصر فقط على التغير في درجات الحرارة، وإنما هذا التغير هو -في حد ذاته- مقدمة لمظاهر أخرى، فكنتيجة لتغير المناخ، أضحت قطاعات ضخمة من السكان في عدة دول، لا سيما في قارات أفريقيا وأمريكا الجنوبية، عرضة لظواهر مثل الجفاف والتصحر والفيضانات، وتلك الظواهر قد انعكست على حياتهم بشكل أو بآخر، وقد أدى ذلك إلى عدد من الظواهر بالتبعية، مثل ازدياد حالات الهجرة والنزوح بفعل تغير المناخ، حيث دفع التصحر والجفاف المزارعين والرعاة في الدول الأفريقية، كما في حالة كينيا وتنزانيا، إلى هجرة الأماكن التي اعتادوا التواجد بها لمئات السنين والتنقل إلى مناطق أخرى، وهو ما قد نتج عنه صراعات في بعض الحالات، لا سيما في المناطق التي يوجد فيها بالفعل مزارعين أو رعاة آخرين، وبالتالي ينظرون إليهم كمغتصبين لحقهم في الأرض.
وتشمل هذه المظاهر أيضًا ارتفاع مستوى سطح البحر وتقلص الأنهار الجليدية الجبلية وتسارع ذوبان الجليد في جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية والقطب الشمالي والتغيرات في أوقات تفتح النباتات ونضوجها.
كما يحوي تغير المناخ في طياته تغيرات جيوسياسية ويهدد مصدري الوقود الأحفوري بفقدان النفوذ، وهذا يزيد من خطر حدوث أزمات مستقبلية في البلدان المصدرة للطاقة اليوم ومع ذلك يتم في نفس الوقت تقليل خطر نشوب نزاعات حول الحصول علي الوقود الأحفوري، إلا أنه يكون سببًا في نشوب النزاعات حول الموارد الأخرى، ولا سيما الموارد الرئيسية غير الكمالية مثل الطعام والمياه ومصادر التغذية.
هل هناك فرق بين التغير المناخي والاحتباس الحراري؟
قد تكون قد سمعت مصطلح التغير المناخي يستخدم كبديل عن الاحتباس الحراري أو العكس من قبل، حيث أن كلا المصطلحين يستخدمان على نطاق واسع كأنهما مصطلح واحد، ولكن في حقيقة الأمر يعتبر الاحتباس الحراري صورة واحدة من صور التغير المناخي المتعددة والمعقدة، ويشير مصطلح “الاحتباس الحراري” إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض على المدى الطويل حيث تظهر درجة الحرارة العالمية ارتفاعًا موثقًا جيدًا منذ أوائل القرن العشرين وعلى الأخص منذ أواخر السبعينيات بينما يشمل “تغير المناخ” الاحتباس الحراري، ولكنه يشير إلى النطاق الأوسع للتغيرات التي تحدث لكوكب الأرض.
ما هي أكثر المناطق تأثراً؟
تعتبر دول الجنوب هي الأكثر تأثرًا بتغير المناخ، ومن ثم كان تغير المناخ عاملًا من العوامل التي جعلت دول الجنوب تصطف خلف موقف موحد، فالقضية المناخية دفعت دول الجنوب إلى العمل على التنسيق فيما بينها في مواجهة دول الشمال، وكنتيجة لذلك شرعت التكتلات والتجمعات الإقليمية في العمل على تنظيم منصات لها لمناقشة تغير المناخ والاتفاق على موقف موحد، الأمر الذي جعل موقف دول الجنوب في مؤتمرات الأطراف يبدو أكثر اتساقًا مقارنةً بمواقف دول الشمال التي تراوحت ما بين مؤيد لمطالب دول الجنوب مع اتخاذه إجراءات تكيفية بسيطة ومؤيد لها مع إرجائه اتخاذ الإجراءات أو متحايل على تنفيذ ما تقدم به من تعهدات أو رافض للاعتراف بمطالب دول الجنوب من الأساس.
يعمل العالم حاليًا على التركيز على نقاط الضعف في منطقة البحر الكاريبي كالمنطقة الأكثر تأثرًا بتغير المناخ في نصف الكرة الغربي حيث تعد منطقة البحر الكاريبي نقطة انطلاق استراتيجية للجهات الفاعلة الحكومية والمدنية والخاصة لبناء أجندة مرونة إقليمية للتعبئة ضد الآثار المتقلبة لتغير المناخ بهدف تحقيق سياسات أكثر أمانًا وازدهارًا.
الأزمة المناخية التي تعرضت لها منطقة البحر الكاريبي جعلت الجماعة الكاريبية تسير في اتجاهين متوازيين بداية من العام 2012، وهما التنسيق الداخلي فيما بينهم لإعداد أجندة موحدة في مواجهة دول الشمال أو الدول الصناعية وخاصة خلال مشاركتهم في مؤتمرات الأطراف للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للمناخ، أما الاتجاه الآخر فقد كان التنسيق مع المنظمات الإقليمية الأخرى، سواء في أمريكا اللاتينية أو أمريكا الشمالية أو حتى التعاون والتنسيق مع الاتحاد الأوربي.
أدى تغير المناخ إلى إدراك الدول الجزرية بالبحر الكاريبي إلى الخطر المشترك الذي يهددها، وبالتالي فقد عملت، كمجموعة من دول الجنوب، على تنسيق مواقفها سواء كمجموعة مستقلة في إطار منظماتها الإقليمية أو كجزء من دول الجنوب من خلال محادثات الجنوب التي تتم قبل مؤتمرات الأطراف رغبةً في تنسيق مواقف الدول النامية ومطالباتها في مواجهة دول الشمال الصناعية.
وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، يوجد في إفريقيا أدنى معدل لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري للفرد، ولكنها تحمل التأثير الأكبر لتغير المناخ، إلا أن ذلك دفعها نحو مزيد من التنسيق الإقليمي، لا سيما بين منظماتها دون الإقليمية، مثل منظمة الإيجاد ومنظمة دول الجنوب الأفريقي، كما دفعها للتنسيق مع المنظمات الدولية من ناحية، والتنسيق بين الدول المختلفة داخل القارة من ناحية أخرى لبناء موقف أكثر تماسكًا على المستوى الدولي.
كيف نشعر بالتغير المناخي في حياتنا اليومية؟
بدأت تتفاقم انعكاسات تغير المناخ على الحياة اليومية مع بداية القرن الحادي والعشرين، وتتضح أكثر في المجتمعات التي تعاني من زيادة سكانية واضحة، فأزمة نقص وشح المياه هي بالأساس أزمة مناخية، ومعاناة سكان مدينة جوهانسبرج في جنوب أفريقيا من شح المياه وقرار السلطات المحلية بتحديد كمية معينة لكل فرد لاستخدامها يوميًا لهو انعكاس واضح لتغير المناخ على الحياة اليومية، ومن ناحية أخرى فإن التنوع الفج في كميات المطر المتساقطة واختلال معالم فصول السنة، لا سيما في دول شمال أفريقيا والساحل، لهو انعكاس آخر من انعكاسات تغير المناخ، وقد شهدت عدة مناطق بمصر والسودان والصومال ومالي تساقط كميات ضخمة من الأمطار التي دفعت بعض المجتمعات للنزوح، وفي نفس الوقت فقد أدى الجفاف إلى بحث الرعاة في دول شرق ووسط أفريقيا إلى مصادر أخرى للتروي بالماء، الأمر الذي جعل بعضهم ينزح مئات الأميال بحثًا فقط عن الماء.
ما هي الحلول لمواجهة التغير المناخي؟
بالرغم من أن هناك مطالبات بالتعويل على المجهوات الفردية مثل الحد من استخدام البلاستيك في الحياة اليومية والتوقف عن استخدام كمية ضخمة من الطعام والحد من استخدام الوقود، إلا أن العمل الجماعي على مستويات إقليمية أو عالمية يعتبر هو الإطار العام الذي يمكن أن يؤدي إلى نتيجة ملموسة في قضية تتعدى آثارها الحدود الجغرافية للدول والأقاليم، وتعتبر الاتفاقية الإطارية للمناخ هي الأساس الذي يحكم الحلول العالمية للتعامل مع تغير المناخ.
تهدف الاتفاقية الإطارية للمناخ الناتجة عن الأمم المتحدة لتثبيت تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي عند مستوى يمنع تدخل بشري خطير في نظام المناخ، ويتم تمثيل جميع الدول الأطراف في الاتفاقية في مؤتمر الأطراف الذي تستعرض فيه تنفيذ الاتفاقية وأي صكوك قانونية أخرى يعتمدها مؤتمر الأطراف وتتخذ القرارات اللازمة لتعزيز التنفيذ الفعال للاتفاقية، بما في ذلك الترتيبات المؤسسية والإدارية.
في عام 2015، كانت الدورة الحادية والعشرون لمؤتمر الأطراف (COP 21) تاريخية في نتائجها، حيث تم خلالها إبرام أول اتفاقية دولية للمناخ، سميت باتفاقية باريس على اسم المدينة المضيفة لها.
الهدف الرئيسي لاتفاقية باريس هو تشجيع البلدان على اتخاذ إجراءات للحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية في هذا القرن أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، ومواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة بدرجة أكبر إلى 1.5 درجة مئوية، وبالتالي الحد من مزيد من تغير المناخ، وفي حين يعول البعض على التمويل المناخي والمساعدات المالية، فإن البعض الآخر يعتبره مسكنًا وليس حلًا أصيلًا.