تمثل أفغانستان المنتج الأكبر للأفيون والهيروين في العالم منذ عام 1995 وحتى الآن، وذلك على الرغم من جهود الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية في مكافحة المخدرات منذ الغزو الأمريكي عام 2001؛ حيث نما إنتاج زهرة الخشخاش لتجارة الافيون بأضعاف مضاعفة خلال تلك الفترة، كما يشير عدد من التقارير إلى أن المسؤولين في الحكومة الأفغانية منخرطين في عمليات التهريب، وهو ما أفشل مجهودات الرئيس السابق أشرف غني، في مقاومة هذه التجارة، وفي هذا التقرير نستعرض حجم إنتاج المخدرات الأفغانية ولماذا ينتشر فيها ومسارات التهريب ولماذا فشلت جهود الدول الغربية في مكافحة المخدرات في أفغانستان.
حجم إنتاج المواد المخدرة الأفغانية
لم يعد الافيون وحده ما يمثل المواد المخدرة الأفغانية بل تطورت بعض المواد والعقاقير التخليقية مثل الميثامفيتامين الذي يتوقع له أن يكون مصدر دخل موازي للحركة مثل الأفيون، وفيما يلي أنواع المواد المخدرة الأفغانية: –
- الأفيون
تتنج أفغانستان 90٪ من نسبة الأفيون على مستوى العالم، وهو ما جعل حركة طالبان أكبر متحكم في تجارة المخدرات في العالم؛ إذ يعد إنتاج المخدرات المصنعة من نبات الخشخاش المخدر يشكل أكبر مصدر للدخل تعتمد عليه حركة طالبان. ووفقًا لبيانات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ارتفع محصول الأفيون في أفغانستان بنسبة 8 ٪ في عام 2021، مقارنة بالعام 2020، ليبلغ 6,800 طن، الأمر الذي قد يؤدي إلى إغراق الأسواق في جميع أنحاء العالم بحوالي 320 طنًا من الهيروين النقي المهرب من البلاد. ولا يتوقف دور طالبان على التحكم في إنتاج المواد المخدرة بل تتخطى ذلك إلى عملية تنظيم زراعته والإشراف على صادراته وفرض الضرائب عليها وحماية شبكات تهريبها. حتى أن بعض القادة اقتتلوا فيما بينهم في بعض الأحيان على تقاسم الإيرادات.
منذ عودة طالبان إلى سدة الحكم، بعد استيلائها على جميع الأراضي الأفغانية، أخذت الحركة في تمييع موقفها فيما يخص إنتاج الأفيون والخشخاش وباقي المواد المخدرة. فعلي الرغم من تصريحات الحركة بأنها سوف تعمل على كبح زراعة الأفيون، إلا أنها على الواقع عملت على زيادة دخلها من المخدرات قدر الإمكان؛ إذ تضاعف سعر الأفيون الذي يُحوّل إلى هيروين في البلاد أو في باكستان وإيران، ثلاث مرات لتزويد السوق الأوروبية على وجه الخصوص. حيث وصل سعر الكيلوجرام الواحد في هذه السوق إلى ما يقارب 90 يورو (نحو 104 دولارات)، وهو ما يوفر دخل للحركة يقدر سنويا وفقا لبيانات الأمم المتحدة ما بين 1.8 مليار دولار و2.7 مليار دولار في عام 2021 داخل أفغانستان، لكن يتم تحقيق أرباح أكثر بكثير في سلاسل توريد المخدرات غير المشروعة خارج البلاد.
- المواد التخليقية
تمتد مشكلة المواد المخدرة الأفغانية إلى ما هو أبعد من الأفيون، حيث على مدى السنوات الأربع الماضية، تحسن الأفغان أيضًا في صنع الميثامفيتامين، المعروف بالعامية بالسرعة أو الكريستال أو الميثامفيتامين. تكمن جاذبية هذه المادة في كونها تعود على المنتجين بهامش ربح أعلى من الهيروين، نظرا لانخفاض التكاليف العامة والمكونات الزهيدة التكلفة، وخاصة الآن بعد أن أصبحت المادة الكيميائية التي تستخدم لتشكيلها، السودوإيفيدرين ــ المكون الشائع في أدوية البرد ــ والتي تنتج محليًّا. ووفقًا لتقرير صدر في نوفمبر 2020، عن مركز المراقبة الأوروبي للمخدرات والإدمان (EMCDDA) فإن بعض أجزاء أفغانستان، يبدو أن إنتاج الميثامفيتامين يفوق إنتاج الأفيون؛ حيث يستطيع الأفغان تصنيع ميثامفيتامين في مختبرات بحجم المطبخ منذ عام 2013، واستخراجه من الأدوية التي لا تستلزم وصفة طبية مثل أدوية السعال. لكن هذه العملية معقدة وخطيرة وتتطلب مهارات كيميائية.
يضيف التقرير أنه عندما اكتشف السكان المحليون أن بإمكانهم استخراج الميثامفيتامين من مصنع محلي، بدا أن الإنتاج قد انطلق بالفعل. خاصة مخدر الإيفيدرا، الذي يُطلق عليه اسم البانداك أو عُمان محليًا؛ هو عشب معمر يمكن حصاده بسهولة من سفوح التلال المحلية. لاستخدامه كحطب أو لعلاج أمراض الكلى. ويتم الآن قطفه وتعبئته وتجفيفه، ثم معالجته كيميائيًا لاستخراج الإيفيدرين. وتعد هذه العملية الأخيرة بسيطة ورخيصة نسبيًا. في خطوة ثانية أكثر تعقيدًا، يتم استخدام الإيفيدرا المُعالج لصنع بلورات الميثامفيتامين.
كما حذر باحثو مركز المراقبة الأوروبي من أن “البيانات المتاحة تشير إلى أن أفغانستان أصبحت في فترة زمنية قصيرة منتجًا وموردًا لكميات كبيرة نسبيًا من الإيفيدرين والميثامفيتامين منخفض التكلفة، وأن الحجم المحتمل لإنتاج الإيفيدرين والميثامفيتامين وما يمثله الدخل الذي يولده والسرعة التي ظهر بها قد يصبح قريبًا منافس لإنتاج الأفيون في أفغانستان. وتسيطر حركة طالبان على غالبية مختبرات الميثامفيتامين السرية الصغيرة في أفغانستان.
مسارات تجارة المواد المخدرة الأفغانية
يتيح الموقع الاستراتيجي لأفغانستان قدرة فائقة على إنتاج وتجارة المواد المخدرة؛ إذ تقع ضمن أكبر منطقتين لإنتاج المواد المخدرة في العالم وهي “الهلال الذهبي” أكبر منطقة لإنتاج الأفيون في العالم، التي تضم مناطق إنتاج المواد المخدرة في إيران وأفغانستان وباكستان؛ و “المثلث الذهبي”، ثاني أكبر منطقة لإنتاج الأفيون في العالم، وتغطي ميانمار وتايلاند ولاوس، وتشير الخريطة التالية الي اهم مسارات المخدرات الأفغانية الي جميع انحاء العالم:
توضح الخريطة أنه يتم تهريب الهيروين المنتج في الهلال الذهبي عبر الطريق الجنوبي حيث يتم تحميل المواد الأفيونية المنتجة في دول آسيا الوسطى على المراكب الشراعية ونقلها عبر بحر العرب باتجاه الغرب والشرق. في الشرق، يمرون عبر دول جنوب آسيا، بما في ذلك الهند وسريلانكا وجزر المالديف، للوصول بعد ذلك إلى وجهات أخرى. يُعرف هذا باسم الطريق الجنوبي، وهو مسار بحري راسخ لتهريب المواد الأفيونية في منطقة المحيط الهندي.
أما في المثلث الذهبي، فقد تحول إنتاج المخدرات إلى الميثامفيتامين، بما في ذلك حبوب اليابا Yaba، وهي حبة إدمان شديدة تجمع بين الميثامفيتامين والكافيين، ويتم تهريبها إلى دول جنوب وجنوب شرق آسيا. أصبحت اليابا شائعة على نطاق واسع في بنغلاديش، حيث يتم تهريب المخدرات إلى البلاد عبر نهر ناف، وهي منطقة متاخمة للأنهار مع ميانمار. كما حقق الميثامفيتامين الأفغاني أيضًا طريقًا إلى الأسواق الدولية؛ حيث تم اكتشافه بالفعل من قبل السلطات في إفريقيا وأستراليا وإندونيسيا وسريلانكا. كما أن هناك تقارير غير مؤكدة عن وصول البعض إلى أوروبا أيضًا. وفقا لمحللين في مركز المراقبة الأوروبي، فيعتقد أن بعضًا من الميثامفيتامين الأفغاني قد ذهب إلى تركيا ثم إلى أوروبا وبالفعل حجزت الشرطة الفيدرالية الألمانية عدد من شحنات مخدر الميثامفيتامين الأفغاني خلال الآونة الأخيرة.
كما تستخدم حركة طالبان عِـدة طرق اخري لتهريب المواد المخدرة، إذ تنقل الإنتاج إلى أوروبا الغربية عبر بلدان القوقاز والبلقان، ومن هناك إلى أميركا الشمالية، وبمساعدة جماعة أنصار الله الإرهابية التي تتخذ من طاجيكستان مقرًا لها، كذلك تستخدم الحركة طريقًا شماليًّا إلى روسيا. أما الطريق الجنوبية الشرقية، التي تمر متعرجةً عبر باكستان، فيعمل على تمكينه مسؤولو أجهزة الأمن الباكستانية التي تتعاون مع طالبان وعصابات التهريب المعروفة محليا باسم “تنظيمات” في مقابل رشاوي.
مستقبل تجارة المواد المخدرة الأفغانية
يتوقف مستقبل تجارة وصناعة المواد المخدرة في أفغانستان على عاملين أساسيين الأول هو القيمة الاقتصادية لتجارة المواد المخدرة للداخل الأفغاني والأخر هو مدى جدية طالبان في مكافحة هذه التجارة، وفيما يلي نستعرض العاملين: –
- القيمة الاقتصادية لتجارة المواد المخدرة للداخل الأفغاني
هناك عدة أسباب لجعل المواد المخدرة خاصة الأفيون والميثامفيتامين، بدرجة أقل الهيروين، هي المصادر الرئيسية للدخل في أفغانستان. الأول هو معاناة الاقتصاد الأفغاني خلال الحروب والحكومات القمعية على مدى عقود، إضافة إلى عدم سيادة القانون وعدم احترام حقوق الملكية وتهالك البنية التحتية في أفغانستان. وهو ما يجعل من الصعب إقامة أنشطة اقتصادية شرعية، لذلك، تكتسب عمليات السوق السوداء التي يجري الاتجار بها بشكل كبير ميزة تنافسية لأنها تميل إلى توليد أرباح غير عادية والحصول على الحماية العسكرية.
السبب الثاني ارتفاع القيمة الاقتصادية لسلاسل التوريد الخارجية لتجارة المواد المخدرة خاصة المستخدمة في بعض البلدان للأغراض الصيدلانية. ومن القوانين الاقتصادية الأساسية أن السلع المنتجة في الأسواق السوداء تميل إلى الحصول على عائد أعلى بكثير مما هو عليه في أسواق التجزئة القانونية. هذه الأرباح الفائقة تجذب العديد من الشركات استغلالا لحالة الفساد على نطاق واسع في أفغانستان.
السبب الثالث يكمن في أن أفغانستان ما زالت واحدة من أفقر البلدان في العالم؛ حيث يحصل أقل من 10 ٪ من السكان على الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه الجارية. وقد حذر مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة، من أن الأزمة الاقتصادية التي تواجه أفغانستان حاليًا لن تؤدي إلا إلى زيادة جاذبية زراعة المحاصيل غير المشروعة في نظر المزارعين المحليين. وأشار المكتب الأممي إلى إن العامل الأكثر أهمية في مكافحة الجريمة المنظمة هو كيفية أداء الاقتصاد الأفغاني من الآن فصاعدًا؛ حيث يؤدي الانهيار الاقتصادي إلى تحفيز إنتاج المزيد من المخدرات غير المشروعة. وإذا لم تكن هناك طريقة لتمويل الحكومة، فلن يكون هناك المزيد من الوظائف الحكومية. وبذلك يعود الكثير من الناس إلى زراعة خشخاش الأفيون الذي يتطلب عمالة كثيفة. بالتالي إذا كان هناك المزيد من العمالة، فقد يكون هناك المزيد من الأفيون وغيره من المواد المخدرة. كما أن فرض عقوبات واسعة النطاق من قبل الغرب على أفغانستان، يمكن أن يؤدي إلى أزمة اقتصادية من شأنها أن تؤدي إلى أعداد كبيرة من اللاجئين وزيادة مستويات إنتاج المخدرات، مما سيؤثر بلا شك على العالم أجمع.
مدى جدية طالبان في مكافحة المواد المخدرة
يتوقف مدى جدية طالبان في مكافحة المواد المخدرة على عاملين. الأول يتمثل في قدرة الحركة فعليًّا على مكافحة زراعة المواد المخدرة؛ والأمر الاخر مدى قدرة الحركة على تلبية مطالب المزارعين داخل أفغانستان. بالنسبة إلى العامل الأول، ففي أول مؤتمر صحفي تعقده الحركة بعد سيطرتها على الحكم في أفغانستان، حرصت الحركة على تبيان موقفها من عدد من الملفات وفي مقدمتها زراعة وتجارة المخدرات التي اشتهرت بها البلاد خلال العقود الماضية. وقال المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد -في المؤتمر الصحفي الذي عقد أمس الثلاثاء- إن الحركة تطمئن العالم بأن أفغانستان لن تكون مركزا لإنتاج أي نوع من أنواع المخدرات. الا ان هذه التصريحات أثارت الشكوك في مدى جديتها إذ يحتوي مجلس الوزراء في حكومة طالبان الحالية مدرجين على قوائم مهربي المخدرات أبرزهم الملا عبد الغني بارادار و الملا خيرولاة خيرخوا. تشير التقارير إلى أن الملا باردار قد أدار علاقات طالبان مع أباطرة المخدرات الإقليميين الرئيسيين منذ أواخر التسعينيات، ويبدو أنه توسط في صفقات تقاسم الأرباح مع المسؤولين الفاسدين في النظام الأفغاني السابق، بما في ذلك أحمد والي كرزاي، الأخ الراحل للرئيس السابق حامد كرزاي. كما تجدر الإشارة إلى أنه خلال عملية السلام في الدوحة، نجح بارادار في الحصول على إطلاق سراح الحاج جمعة خان ، وهو رجل وصفه المدعون الأمريكيون بأنه أكبر وأخطر أباطرة المخدرات في أفغانستان، والذي قدم الدعم المالي لطالبان مقابل حماية عمليات تهريب المخدرات لمنظمته. وفي يونيو 2020، ضغط بارادار من أجل الإفراج عن الحاج بشار نورزاي، مهرب الهيروين الأفغاني الذي مولت عشيرته حركة طالبان من السجن الأمريكي. كان إطلاق سراح نورزاي أحد الطلبات القليلة لطالبان في الدوحة والتي لم توافق عليها حكومة الولايات المتحدة. ليس الملا باردار هو الزعيم الحالي الوحيد لطالبان المرتبط بالمخدرات. هناك أيضًا إكرام الدين مفتون، الذي تم تصويره واقفًا، وبيده كلاشينكوف ، خلف القيادة العليا خلال مؤتمر صحفي في كابول في 16 أغسطس 2021، كان متورطًا في تحقيقات اتحادية بشأن المخدرات وتم ذكر اسمه في سجلات المحكمة . هذا بالإضافة إلى محمد إدريس، المعين من قبل حركة طالبان كمحافظ للبنك المركزي، فقد تم تعريفه باعتباره مبيض أموال المخدرات الرئيس للحركة.
أما العامل الثاني عن تلبية مطالب المزارعين، فيصعب على الحركة حاليًا الإيفاء بالمتطلبات للمزارعين نتيجة زيادة عدد العاملين بتجارة المواد المخدرة وزيارة مساحات الأراضي المزروعة بالمواد المخدرة. تشير البيانات، وفقًا لمسح الأفيون في أفغانستان 2020، أن إجمالي المساحة المزروعة خشخاش الأفيون في أفغانستان قد بلغ حوالي 224 ألف هكتار في عام 2020، بزيادة قدرها 37 ٪ بمقدار 61 ألف هكتار مقارنة بعام 2019. وعلى سبيل المقارنة، أصبحت المناطق المزروعة بالخشخاش في عام 2020 تعادل حوالي ثلاثة أضعاف مساحة مدينة نيويورك، التي تزيد على 78000 هكتار. وعزا مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الارتفاع السنوي السريع في إنتاج الأفيون إلى عوامل متعددة منها عدم الاستقرار السياسي، وغياب فرص العمل البديلة، والافتقار إلى الوصول إلى الأسواق الحضرية. وبالتالي، يصعب على الحركة التصدي لهذه التحديات.
لذا، فإن مكافحة تجارة المواد المخدرة الأفغانية وتقليص سلاسل الإمداد بها عبر آسيا إلى بقية العالم لن يتم ما لم تعالج الأسباب الجذرية التـي أدنت إلى ازدهار هذا التجارة في ظل اقتصاد الحرب الممتدة منذ أواخر السبعينيات في القرن الماضـي. وهو أمر قد يتجاوز قدرة حركة بل والحكومات المجاورة لها. وفي الأمد القريب، ستظل هذه التجارة عاملًا مركزيًّا في تعريف مستقبل بناء الدولة والاقتصاد في البلد المنكوب بالحروب المستمرة.