تدور الآن أسئلة حول التغيرات التي ستواكب عاداتنا الغذائية لمواجهة زيادة سكانية متوقعة تصل بتعداد الكوكب إلى نحو 10 مليارات نسمة في العام 2050، وإلى 11.2 مليار نسمة في العام 2100، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، فمع زيادة معدلات تدمير البيئة وارتفاع معدلات التلوث، واستهلاك معدلات ضخمة من البروتين الذي يستتبع تدمير مساحات شاسعة من الغابات لتوفير المراعي، تبدو الأسئلة التي تطرح نفسها على الجميع: هل لدينا ما يكفي من الطعام للجميع؟ وهل سنجبر على تغيير عاداتنا الغذائية لمواكبة احتياجات الكوكب الذي يئن تحت قسوة استهلاك مليارات البشر؟ وكيف يمكن للبدائل في ما يخص البروتين النباتي مثلا أن تكون طوق النجاة وبداية ثورة في تغيير طريقة تعاطينا مع الطعام في آن؟ لتصب هذه الأسئلة كلها في سؤال رئيسي: كيف سيبدو طعام المستقبل؟ فالأكيد أن الإنسانية مقبلة على فصل جديد من التعامل مع الطعام ومكونات الوجبات اليومية، فما نمارسه بحكم العادة الآن قد يكون في خانة الذكريات في المستقبل القريب.
الحديث عن طعام المستقبل يدور بين ما هو خيالي وواقعي، بين التفاؤل غير الحذر والتشاؤم الأسود، إذ يرى البعض أن البشرية بمعدلات التقدم الحالية قادرة على خلق مواد غذائية تكفي احتياجات البشر سواء عبر المواد المصنعة أو إحداث طفرات في زيادة إنتاج الحيوانات للحوم والألبان، والحقول للمحاصيل مثلا، أو حتى التوصل إلى كبسولة قادرة على إشباع جميع احتياجات الإنسان الغذائية يوميا، على العكس يرى البعض أن الأمور تتجه إلى الأسوأ مع استهلاك البشرية مسطحات ضخمة من الغطاء النباتي لتوفير المراعي الكافية لتربية المزيد من الماشية، بهدف تغطية الطلب المتزايد على البروتين، فضلا عن ارتفاع معدلات التلوث التي تشير إلى تغيرات مناخية حادة قد تعصف بالمحاصيل الزراعية، لتبدو الأمور في انتظار وقوع الكارثة. بين الرؤيتين تبدو الحقيقة أننا على مشارف تغير شامل في علاقتنا بالطعام، لكنها لن تكون المرة الأولى التي يغير فيها البشر عاداتهم الغذائية.
كيف تغيرت عاداتنا الغذائية في العقود الماضية؟
في منعطف تسعينيات القرن العشرين، كان العالم مع حدث تاريخي بامتياز، افتتاح أول فرع لسلسلة مطاعم الوجبات السريعة ماكدونالدز في العاصمة الروسية موسكو، كان الحدث الذي استخدمته آلة الدعاية الأميركية الجبارة، علامة فارقة في تاريخ البشرية، إشارة لا تخطئها العين على انتهاء زمن الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفيتي ونموذجه الشيوعي، بعدما اقتحم رمز الاستهلاك الرأسمالي كعبة الشيوعية، خاصة أن الطوابير التي شكلها الروس كشفت عن رغبة جامحة في الإقبال على نمط الحياة الأميركية عبر طلب ساندويتش “البيج ماك” الشهير في مطعم مبهر التأسيس مقارنة بمطاعم موسكو المتواضعة.
كان الطعام ونمطه هو المظهر الأبرز للرسالة التي اكتسحت العالم وقتذاك، وهو عصر سيادة مطاعم الوجبات السريعة التي غيرت نمط تناول الطعام في العالم بأسره ووحدته معا، فانتشار ثقافة مطاعم الوجبات السريعة باتت ظاهرة عالمية، فأنت تستطيع أن تدخل في أي دولة عربية أو أوروبية أو آسيوية وتطلب بكل ثقة نفس الوجبة التي تطلبها في بلدك الأصلي من فرع السلسلة القريب من منزلك، ستشعر حينذاك بألفة في الفرع حتى ولو كنت في بلد غريب.
كان انتصار ثقافة الوجبات السريعة ساحقًا، ولا يزال معلما من معالم واقعنا المعاصر مع سيادة قيم الرأسمالية الاستهلاكية، لكن عملية تكوين الذوق العام في الأكل وتناول الطعام مر بسلسلة طويلة من التبادلات الثقافية التي عبرت عنها حركة تجارة عالمية نشطة، إذ كانت التوابل في العصور الوسطى تنتقل من دول شرق آسيا عبر دول العالم الإسلامي وتحديدا مصر، إلى أوروبا لكي تحدد القواعد العامة لاستخدام التوابل على موائد الأثرياء في المدن الأوروبية كنوع من أنواع التمايز الاجتماعي عن الطبقات الأقل دخلا.
بل أن التوابل وتجارتها دشنت ومنذ قرون بعيدة أول عصر عالمي، وبداية العولمة الاقتصادية، فالأحداث التي تقع في إحدى مناطق العالم تؤثر إلى حد كبير على الشعوب والأحداث في قارة أخرى بعيدة، كما غيرت التوابل إلى الأبد عادات الأكل لدى الشعوب التي اكتشفت تجارب جديدة في عالم الطهي، نتيجة لتلك التجارة التي غيرت بدورها طرق إعداد الطعام وتناوله وتقديره، كما يذهب فريد كزارا مؤلف كتاب “التوابل.. التاريخ الكوني”.
وشكلت الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) منعطفا مهما في تاريخ الطعام، فتحت دوي المدافع التي لا ترحم تلاقت شعوب من مختلف ثقافات العالم، ونقلت إلى بعضها البعض الكثير من الأفكار حول الطعام، إذ يؤكد كزارا أنه بعد الحرب راجت التوابل في الولايات المتحدة الأميركية، بعدما تعرف الجنود الأميركيون العائدون إلى الوطن من معارك المحيط الهادئ وأوروبا على ثقافات ومذاقات جديدة، ونما سوق التوابل، وازاد استهلاك التوابل في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين ليصل إلى خمسة أضعاف معدل النمو السكاني، ومع حلول العام 1990، كان معدل استهلاك الولايات المتحدة من التوابل يساوي 17% من الاستهلاك العالمي.
شيء من هذا القبيل عن تأثير الحروب في تغيير العادات الغذائية، يقال عن دخول وجبة الكشري الشهيرة إلى مصر، فالشائع أنها دخلت إلى مصر عبر الجنود الهنود الذين أرسلتهم بريطانيا لحماية قناة السويس في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، حمل الجنود معهم وجبة هندية مكونة من الأرز والعدس، زاد عليه المصريون المعكرونة والصلصة ذات النكهة الخاصة وخلطة توابل تعرف بـ “الدقة”، فظهر طبق الكشري المرتبط بالمصريين حتى الآن.
هل غيرت العولمة وانتصار النموذج الأميركي من نظرتنا للطعام؟
لكن الملاحظ أنه منذ منتصف القرن العشرين باتت ثقافة الطعام على مستوى العالم تقوم أساسا على استهلاك البروتين، فعندما تدخل أي مطعم من مطاعم الوجبات السريعة، يكون الاختيار الأول هو البروتين في صورة البرجر، يقول كريستوف ربات في كتابه “في المطعم: ثقافة الطعام، حكايات من بطن الحداثة”، إن الروتين يعد أساسيا في مطاعم الوجبات السريعة، ففي ماكدونالدز يتعلم الزبائن التوجه فورا نحو أماكن تواجد الكاشير، لطلب الوجبة وفق الترتيب المتبع في الشركة: بداية من البرجر، ثم البطاطس المقلية المقرمشة، وفي الختام المشروبات الغازية، وهو النموذج المعتمد في مختلف سلاسل مطاعم الوجبات السريعة، التي باتت تكتسح حتى أكثر الثقافات المحافظة على تقاليدها الغذائية مثل مجتمع إسطنبول.
وترصد هولي شاس في مقال “الميحانة أم ماكدونالدز؟”، المنشور ضمن كتاب “مذاق الزعتر”، كيف غزت مطاعم الوجبات السريعة الأميركية عاصمة تركيا الاقتصادية وأكبر مدنها سكانا، والتي تؤكد أن ماكدونالدز وبرجر كنج وبيتزا هت وغيرها من السلاسل الشبيهة لا تكتفي بنشر فلسفة الوجبات السريعة القائمة على اللحوم أساسا؛ بل تسوق أيضا أسلوب الحياة الأميركية التي يتم تقديمها مع الطعام، لذا ليس غريبا أن تكون للحوم بمختلف أشكالها الهيمنة في اللحظة الراهنة، باعتبارها تعبيرا عن المزاج الأميركي في الطعام.
اللحظة التي نعيشها حاليا من حيث الاعتماد بشكل أساسي على البروتين هي نتاج عملية تطور تاريخية للنظام الغذائي بداية من مرحلة الصيد والاعتماد على اللحوم مع الخضراوات والفاكهة التي تجود بها الطبيعة، ثم دخلت البشرية مرحلة الزراعة والتنوع في استهلاك الحبوب فزادت أهمية الخبز كمكون أساسي على المائدة مع تراجع الخضراوات واللحوم، وصولا إلى المرحلة الحالية التي يعتمد فيها العالم على البروتين والأطعمة المحفوظة واللحوم المصنعة بصورة أكبر، رغم الوفرة في الأطعمة وتنوعها غير المسبوق في التاريخ الإنساني.
لكن نمط الحياة السريع بإيقاعه الاستهلاكي يجعل خيارات البشر الغذائية سيئة ومحدودة بشكل يصنع المفارقة بين الوفرة والاختيارات المحدودة، في ظل مطاردة الشركات العالمية التي تعيد صياغة ثقافة الطعام عبر عولمة الطعام بسلاح الإعلانات الذي لا يقهر، لذا لم يكن غريبا أن تتجاور أمراض السمنة مع أمراض سوء التغذية، وبالتالي انتشار مرض السكري، الأمر الذي يجبر الجميع سواء الشعوب والحكومات على إعادة النظر في أنماط التغذية وضرورة تحدي ثقافة الطعام السائدة، والبدء في خلق ثقافة جديدة تعتمد على التنوع والإقلال من الأطعمة المحفوظة لصالح اعتماد أكبر على الخضراوات والفاكهة والحبوب الكاملة واللحوم الطازجة.
ما هي حدود الأزمة التي تواجهنا؟
بالتوازي مع طريقة تناول الخاطئة للطعام، هناك أزمة مع الزيادة السكانية للبشر، والتي تطرح سؤالا حول كيف نوفر الطعام لنحو ثمانية مليار إنسان؟ فالعالم يعاني من تداعيات أزمات اقتصادية هنا وهناك تترك خلفها ملايين البشر بلا قدرة على توفير الطعام، فضلا عن التفاوت في الدخول، وتركز الثروات في قلة محدودة بينما تتوزع أغلبية البشر بين الطبقة الوسطة والطبقة الأقل دخلا، الأمر الذي يجبرنا على إعادة النظر في النظام الغذائي، والذي يتكون من البروتينات والنشويات والدهون، والأملاح المعدنية والسوائل والفيتامينات.
وتظل الصعوبة مرتبطة بتوفير البروتينات، على الرغم من أهميتها الأساسية لبناء العظام والعضلات، لكن اللحوم بأنواعها والحليب ومشتقاته تظل الأغلى، الأمر الذي يطرح إمكانية الاستعانة بالبقوليات والبيض والأجبان لتقليل الاعتماد على اللحوم، مع الإكثار من الخضراوات والفاكهة من أجل العمل على تقليص أعداد من يعانون من الجوع، خصوصا أن صناعة الغذاء بما في ذلك توفير البروتين، تعد مسببا رئيسيا لفقدان التنوع البيولوجي، وزيادة معدلات التلوث بشكل عام.
تقول شيري سوير، كبير مسؤولي شؤون السكان في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، إنه على الرغم من تفوق النمو العالم في الإنتاج الزراعي على الزيادة السكانية، إلا أن ذلك صاحبه أعباء كبيرة، فأولا: أنظمة الغذاء اليوم غير مستدامة، وتؤدي إلى فقد وهدر هائل للأغذية. ثانيا: التوزيع الحالي للأغذية غير متكافئ بدرجة كبيرة، كما يتضح من استمرار الجوع وسوء التغذية. ثالثا: تولد حمياتنا الغذائية الوفيات المبكرة والأمراض المزمنة، وسيؤدي استمرار الزيادة السكانية إلى زيادة الطلب على الغذاء بشكل كبير بحلول عام 2025. لافتة إلى أن الزيادة السكانية هي محرك مهم لزيادة الطلب على الغذاء، ولكن تأثيرها يتفاقم بفعل التغيرات في أنواع وكميات الغذاء الذي نستهلكه.
وتحذر سوير من أن النظم الغذائية الحالية تخذل الناس والكوكب بطرق لا تحصى، فبعد أكثر من عقد من الانخفاض المطرد، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في العالم إلى ما يقرب من 690 مليونًا، أو 8.9 في المائة من سكان العالم، في 2019، فضلا عن معاناة سبعة في المائة من الأطفال دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، بينما يعاني ما يقرب من 40 في المائة من البالغين من زيادة الوزن. وهناك أكثر من ثلاثة مليارات شخص لا يستطيعون تحمل تكاليف نظام غذائي صحي، لتصبح الأنظمة الغذائية غير الصحية مسؤولة عن وفيات البالغين أكثر من استخدام التبغ على مستوى العالم.
كيف يمكننا إنتاج بروتين يكفي لإطعام 10 مليارات شخص؟
تحاول ليزا سويت، مسؤولة ملف مستقبل صناعة البروتين وصحة الغذاء بالمنتدى الاقتصادي العالمي، الإجابة على هذا السؤال، فإنتاج لحوم البقر يظل مسؤولا عن 25 في المئة من جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالغذاء، ومع تزايد الطلب على اللحوم في كل مكان في العالم، يبدو البحث عن بديل أكثر استدامة أمرا ملحا، وهو ما يجعل الحديث عن ضرورة تغيير عاداتنا الغذائية ليس ترفا، بل من الأمور الأكثر إلحاحا بما في ذلك الحديث عن البروتين البديل وحتى البروتين النباتي، لأن النظام الغذائي له تأثير هائل على البيئة وصحة البشر على حد سواء.
مؤكدة أن تغيير عاداتنا الغذائية قد يحدث الفارق الكبير في ممارسة حياة أطول وأكثر صحية وتقليل الضغط على موارد الكوكب، لكن مقاربة ليزا سويت تتطلب تضحية كبيرة في ما اعتدنا على تناوله، فبديلا للحوم الحمراء نستخدم اللحوم المستنبتة (المصنوعة في المعامل)، والدجاج، والفاصوليا الغنية بالبروتين، والبروتين الفطري، بل والحشرات أيضا، لكنها ترى أن هذا هو السبيل الوحيد لتوفير أنظمة غذائية غنية بالبروتين لعشرة مليارات شخص، وتشمل الفوائد الحد بشكل كبير من انبعاثات الكربون، وحماية النظم البيئية الطبيعية من المزيد من إزالة الغابات، وتقليل الضغط على إمدادات المياه. في الوقت ذاته، يمكن أن يحسن النظم الغذائي الجديد صحتنا.
وتستند سويت إلى بحث أجرته مدرسة أكسفورد مارتن للمنتدى الاقتصادي العالمي، للقول بإن البروتينات البديلة، يمكن أن تؤدي إلى موازنة النظام الغذائي للفرد، وبالتالي تقليل الوفيات المرتبطة بالنظام الغذائي بنسبة تصل إلى 5 في المئة، ويؤدي كذلك إلى تقليل التأثير البيئي، لكنها تدرك أن الطريق لا تزال طويلة قبل الاعتماد على البروتينات البديلة التي تحتاج إلى استثمارات من أجل توفيرها بسعر تنافسي، ومع ذلك ترى أن العقد الحالي يجب أن يشهد تكاتف الجهود لإجراء تحول عميق في عاداتنا الغذائية لتقبل هذا التغيير في سلوك المستهلك بشكل جذري.
هل هي نهاية الطعام؟
مع البحث عن البدائل سواء باستخدام البرجر الأخضر، والذي تستخدم في إعداده الخضراوات بديلا للحم، أو محاولة إنتاج بروتين بديل بشكل كامل في المختبرات، يبدو أن البشرية تسعى لمواجهة أزمة حقيقية في ظل الزيادة السكانية المطردة ومحدودية موارد الكوكب، ومع التسليم بأن تغيير العادات نحو أنظمة غذائية أكثر صحة واستدامة ليس بالأمر السهل، بل قد يصل إلى حد الاستحالة، فإن البشرية ستدخل اختبارا صعبا في الفترة المقبلة قد تغير علاقتها بالطعام بشكل جذري ونهائي، ليس فقط على مستوى تغير مكونات الوجبات اليومية، بل على صعيد علاقتنا بالطعام ككل، مع طرح إمكانية الاستغناء عنه والاعتماد على المواد الكيميائية التي توفر احتياجات الإنسان اليومية من العناصر الأساسية، عبر تناول حبوب يومية كما في أفلام الخيال العلمي.
وتم طرح الفكرة في مقال شهير بمجلة “النيويوركر” الأميركية، كتبته ليزي ويديكومب تحت عنوان لافت: “نهاية الطعام”، والذي يحكي قصة ثلاثة شباب في مدينة سان فرانسيسكو، واجهوا أزمة اقتصادية فقرر أحدهم التخلص من ميزانية الطعام عبر اللجوء إلى المكونات الكيميائية الخام، فأجرى أبحاث توصل من خلالها لتجميع 35 عنصرا غذائيا مطلوبة للبقاء على قيد الحياة، ومزجها مع بعضها البعض كمشروب، أطلق عليه تسمية “Soylent Green”، نسبة لفيلم الخيال العلمي الصادر تحت نفس العنوان العام 1973، والذي تدور أحداثه في مستقبل بائس بسبب الزيادة السكانية والتلوث، يعيش الناس على رقائق مجهولة المصدر تسمى سويلنت جرين، والتي يتم الكشف عن أنها مصنوعة من لحم بشري في نهاية الفيلم!
بغض النظر عن أجواء الفيلم الكابوسية، نجحت تجربة الشاب الأميركي بحسب ما نشره من نتائج، وبدأت الشركات الأميركية في التهافت على الفكرة باعتبارها “طعام المستقبل” بما يقدمه من مميزات كونه أرخص وأقل كلفة وأكثر توفيرا للصحة والوقت، لتخلص كاتبة المقال ليزي ويديكومب، إلى أن الاحتمالات مفتوحة حول تجربة السويلنت جرين، التي تعبر عن فكرة قديمة قدم الإنسان عن الطعام الذي يمنح الخلود لمن يأكله في الأساطير اليونانية، ونستطيع أن نضيف نماذج أخرى من ملحمة جلجامش وقصص ألف ليلة وليلة، بل هي فكرة عبرت عن نفسها في العديد من أفلام الخيال العلمي الأميركية التي تتحدث عن حبوب الوجبات التي يمكن الاحتفاظ بها في علبة صغيرة توضع في الجيب الخلفي للبنطال.
ماذا بعد؟ يحلم العالم باليوم الذي يحل فيه أزمة توفير الطعام، وأن يصل لتحقيق شعار “الطعام لكل فم”، تتعدد المقاربات وتُطرح الحلول المختلفة، لكن الطريق التي ستسير فيها البشرية تبدو غير واضحة بعد، فلا أحد يعلم على ماذا ستستقر الإنسانية لتعريف الطعام في المستقبل، ومكونات وجباتنا اليومية، لكن الأكيد أن الأمور بدأت في التغير تحت ضغط التغير المناخي وارتفاع معدلات التلوث والزيادة السكانية ومشاكل الأنماط الغذائية السائدة. علينا أن نستعد من الآن للتغير الشامل المقبل، والذي سيعيد تعريف علاقتنا بالطعام، وستقوم الاختيارات المقبلة على أسس من الأخذ في الاعتبار بشرط الحفاظ على التنوع البيئي، وإلا ستكون النتائج وخيمة في مستقبل صعب قد نجد فيه أن الوجبة الرئيسية لنا عبارة عن حبة ملونة مع كوب من الماء.
…………………………..
المراجع:
*إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة:
– سكان العالم سيصلون إلى 9.7 مليار عام 2050.
https://www.un.org/development/desa/ar/news/population/world-population-prospects-2019.html
– هل يمكننا إطعام المليارات؟
https://www.un.org/development/desa/ar/news/population/can-we-feed-billions.html
*فريد كزارا: “التوابل.. التاريخ الكوني”؛ ترجمة إيزميرالدا حميدان؛ أبوظبي – مشروع كلمة (2010).
*كريستوف ربات: “في المطعم: ثقافة المطعم، حكايات من بطن الحداثة”؛ ترجمة محمد أبو زيد؛ أبوظبي- مشروع كلمة (2021).
*مجموعة باحثين: “مذاق الزعتر: ثقافات الطهي في الشرق الأوسط”؛ ترجمة عبلة عودة؛ تحرير النسخة العربية: أحمد خريس؛ أبوظبي- مشروع كلمة (2009).
*Lisa Sweet:
– “Our taste for meat is endangering the planet”. World Economic Forum, 13 Jun 2019.
https://www.weforum.org/agenda/2019/06/our-taste-for-meat-is-endangering-our-planet/
-“How can we produce enough protein to feed 10 billion people?”. World Economic Forum, 14 Jan 2019.
https://www.weforum.org/agenda/2019/01/how-can-we-produce-enough-protein-to-feed-10-billion-people/
*Lizzie Widdicombe: “The End of Food”. The New Yorker, 12 May 2014.
https://www.newyorker.com/magazine/2014/05/12/the-end-of-food