سطع نجم المطابخ السحابية[1]مؤخرًا، كأحد الحلول المبتكرة للتغلّب على أزمة كورونا، لا سيّما في دول الخليج العربي ذات الفرص الاستثمارية الواعدة مثل الإمارات والسعودية. بما جعلها تُشكل تحول نوعي في النموذج المتعارف عليه للمطاعم التي لطالما عرفناها.
تعرف المطابخ السحابية أو الشبحية، كأنظمة افتراضية تعمل في مجال توصيل طلبات الطعام إلى المنازل، كما يوفر هذا النوع من المشروعات، مزايا عدّة للشركاء من أصحاب المطاعم، علاوة على السرعة في تقديم الخدمة، فهو يعمل على خفض النفقات العامة والتشغيلية للمشروع، لا سيّما المشاريع الناشئة، ما يجعله أكثر جذابية لكثير من شباب المستثمرين، لما يتمّع به هذا النمط من الاستثمار من مرونة.
ما هي طبيعة المطابخ السحابية؟
المطابخ السحابية هي منشآت إنتاج أغذية تجارية مرخصة، حيث تستأجر واحد أو اثنين إلى عشرات المطاعم مساحة لإعداد قائمة طلبات مخصصة للتسليم عبر مندوبيها. ربما يتواجد في المطبخ الواحد أكثر من علامة تجارية، يعملون في نفس المكان بحيث تخفض هذه المطاعم تكاليفها، وبالتالي تقدّم أسعارًا أفضل للجمهور[2].
تستفيد أنظمة المطابخ السحابية من البيانات التي توفرها لهم تطبيقات مثل UberEats و Grubhub و Doordash، ما ساعد على تطورهم وسرعة انتشارهم في الأسواق المختلفة، حيث تقدّم لهم هذه التطبيقات دليلًا لما يمكن أن يقدموا من خلاله وجبات يقبل عليها الجمهور المستهدف وفي أي وقت من اليوم تحديدًا، إذ تعمل هذه البيانات على تعزيز التكيّف والتطور السريع لهذه المؤسسات الناشئة.
ومع التطور التكنولوجي السريع الذي نشهده، وتحسين خدمات الهاتف المحمول، ظهرت خدمات إضافية لتجميع تطبيقات التوصيل المختلفة عبر بوابة واحدة، وذلك لتسهيل انتاج وتوصيل السلع، وتنسيق عملية التسليم، ما يعني في النهاية تقليل إهدار الطعام وتوفير فرصة اقتصادية أمثل للمنتج والمستهلك معًا.
في الوقت الحالي، تسهل Deliveroo و UberEats ومجموعة من شركات التوصيل الأخرى تعمل بشكل مستقل وتتنافس لتقديم أفضل خدمة عبر العديد من دول العالم، بما في ذلك Delivery Hero و DoorDash و GrubHub و Postmates و Swiggy و Zomato – على المستهلكين الطلب من منازلهم.
انطلق ما يعرف بـ “كلاود كيتشن”، مع ترافيس كالانيك، الرئيس التنفيذي السابق لأوبر، والذي اعتمد على فكرة القرب من الجمهورالمستهدف ومعرفة رغباته، واستغلال المساحات العامة المهملة لتنفيذ مشروعه. بدأ ترافيس العمل على تنفيذ فكرته في المطابخ السحابية عام 2019 بعد تقديم استقالته من أوبر وبيع كل أسهمه فيها مع نهاية عام 2017.
فرص متنامية
خلال عام 2020، وبالرغم من المخاطر الاستثمارية المتنامية، قام العديد من رجال الأعمال بضخ أموال طائلة في شركات المطابخ السحابية، ما أدى إلى زيادة تقييمات الشركات، حتّى مع استمرار الخسائر الفادحة في الكثير منها، إلّا أنّها استمرت ومرت بمنحنيات صعود، مع بداية الجائحة، جعلت انتشارها أكثر سهولة، وبشكل خاص في دول الشرق الأوسط.
برزت في الآونة الأخيرة شركة Kitopi التي تأسست في دبي عام 2018، وذلك بعد جمعها لـ 60 مليون دولار من التمويل الجديد خلال العام الماضي، ما عكس رغبة المستثمرون في طرق جديدة لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من السوق الناشيء. تدير Kitopi أكثر من 30 مطعمًا سحابيًا في جميع أنحاء الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط، عبر تطبيقات DoorDash و Uber Eats و Deliveroo.
عكس الصعود الأخير لـ Kitopi مدى الفرص المتاحة في منطقة الشرق الأوسط، حيث اتجهت شركات مثل “طلبات” لاحقًا، لفتح متجرها للبقالة في الإمارات أولًا متوسعًة في دول عربية أخرى حتّى وصلت إلى مصر التي تستعّد بدورها لدخول موسوعة جينيس بأكبر مطبخ سحابي في العالم.
من المتوقع أن يصل حجم سوق Cloud Kitchen[3] العالمي إلى 71.4 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 12٪ من 2021 إلى 2027. يبدو أنّ الرهان على الاستثمار في المطابخ السحابية هو الأكثر حظًا وذلك لعدّة أسباب:
أولًا – الفرص السوقية كبيرة أمام المطاعم السحابية، بعد اتساع نطاق العديد من المطاعم، بسبب تفضيلات المستهلكين لتناول الطعام في المنزل، لا سيّما بعد الجائحة.
ثانيًا – تتطلب استثمارات أقل من المطاعم الحقيقية، فلم يعد المستثمر بحاجة لاستئجار مقر.
ثالثًا – يقدّم نموذج المطبخ الافتراضي فرصًا للتجريب، ويتيح مرونة لا تتواجد في المطعم التقليدي، وذلك عبر تجريب أكثر من علامة تجارية وقياس استجابة السوق لها، والانتقال بين أكثر من علامة لتحقيق أعلى عائد.
رابعًا – سرعة الانتشار وتوسيع النطاق يعد أكثر سهولة في نموذج المطبخ السحابي، كما يقدم فرصة لفتح أكثر من مطعم ربما في أكثر من دولة في زمن قياسي، وهو ما كان يتطلب سنوات من النجاح والانتشار في المطاعم الكلاسيكية.
مخاطر محتملة
على الرغم من الصعود الكبير في أسهم المطابخ السحابية، إلا أنّ مخاطر ابتلاع الشركات الكبرى ما زال محيقًا، لا سيّما بعد الحديث المستمر منذ عام 2019 عن دخول أمازون لسوق المطابخ الافتراضية، وهو ما يعني مخاطر لا تنتهي على أصحاب الكيانات الأصغر أمام العملاق أمازون[4]
تجدر الإشارة إلى أنّ المطابخ السحابية وفرّت بالفعل ملايين الوظائف حول العالم، لكن بالحديث عن خدمات توصيل الطعام بدون الحاجة لموظفي توصيل، ستنقرض هذه الوظائف بالرغم من تكلفتها المنخفضة. يمكن أن نحصي أنّ هذه العمالة نفسها هي أحد المخاطر المحتملة للمطابخ السحابية، خاصة مع تصاعد احتجاجات، مثلما حدث عام 2018، حين حاول موظفو Deliveroo الحصول على وضع العمالة المنتظمة، ومطالباتهم بأجور أفضل، لكن مطالبهم لم تتحقق. غير أنّ الاتحاد الأوروبي مؤخرًا، أقرّ تشريعات جديد لحماية العمالة المؤقتة، وما زالت الحرب بينهم وبين الشركات الكبرى مثل أوبر وليفت على أشدها.
نظرة على الخليج
تصدّرت الإمارات قائمة دول الخليج العربي والشرق الأوسط، في مجال المطابخ السحابية، بريادة شركة كيتوبي، لا سيّما بعد إعلانها عن جمع 415 مليون دولار[5] من مستثمرين من بينهم سوفت بنك، ومنصة رأس المال الاستثماري التابعة لشركة ADQ، و B.Riley، ومجموعة Dogus التركية، وشركة Next Play Capital الأمريكية، وشركة Nordstar البريطانية، وذلك مطلع يوليو الماضي.
يعكس اهتمام المؤسسات المالية الكبرى بتمويل قطاع المطابخ السحابية، التوجه الاستثماري لعمالقة عالم الأعمال، الملتف بشدّة حول هذا المجال في الشرق الأوسط ، والفرص الواعدة المستقبلية لهذ المجال، إذا لم تدخل أمازون بثقلها وتطيح بالمنافسين الأصغر.
وعلى الرغم من المخاطر المترددة في عالم المال من وجود أمازون في هذا المجال، لا يزال الاستثمار في المطابخ السحابية هو المجال الأكثر أمانًا لا سيّما مع استمرار الجائحة، والمدّة الزمنيّة الطويلة التي قد يستغرقها التلقيح، لتعود الحياة إلى سابق عهدها، حتّى حدوث ذلك، تتربع المطابخ الافتاضية على عرش الاستثمارات الأكثر أمانًا.
تستحوذ المطابخ السحابية بسرعة على سوق FnB في دبي ، ومن المتوقع أن ينمو قطاع توصيل الطعام بمعدل 6٪ سنويًا، ومن المقرر أن يستمر هذا لمدة خمس سنوات على الأقل، من ناحية أخرى، ظهر العديد من مشغلي المطبخ السحابي ومقدمي خدمة المطبخ، كخدمة (KaaS) في الإمارات العربية المتحدّة التي توفر البنية التحتية والمعدات والمرافق لتسهيل عملية إقامة مطبخ افتراضي.
أيضًا من المتوقع أن يصل حجم سوق المطبخ السحابي العالمي إلى 139.37 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2028، مسجلاً معدل نمو سنوي مركب قدره 12.4٪ من 2021 إلى 2028.[6]
مستقبل واعد وآمال معقودة
قدّم التطور التكنولوجي الهائل، ونمط حياة جيل الألفية الجديدة، فرصة لا تعوّض لرواد قطاع المطابخ السحابية، بالرغم من المعاناة التي مرّ بها أصحاب المطاعم وقت الجائحة، قفزت أسهم (المطابخ السحابية) وحققت أرباحًا طائلة. خلال عام 2020 استحوذ قطاع المطبخ السحابي المستقل على أكبر حصة سوقية، بلغت أكثر من 60٪ من إجمالي السوق. من المتوقع أن يظهر تفضيل المستهلك المتزايد للمأكولات العالمية والأطعمة السريعة باعتباره الاتجاه الرئيسي الذي يقود نمو القطاع الافتراضي الواعد[7].
خلال السنوات الخمس المقبلة، سيتربع قطاع المطابخ السحابية على عرش الاستثمارات الأكثر حظًا وسط عالم مالي يكتنفه الغموض وعدم الاستقرار. بسبب طبيعة الاستثمار السحابي القائمة على الحد من التكاليف الطائلة التي يتكبدها المطعم التقليدي، تبقى المطاعم السحابية الأكثر أمانًا حتّى الآن.
مراجع
[1] http://www.affilityconsulting.com/insights/the-rapid-growth-of-the-cloud-kitchen-market-during-a-pandemic/
[2] المصدر نفسه
[3] https://www.globenewswire.com/news-release/2021/08/04/2274306/0/en/Global-Cloud-Kitchen-Market-Report-2021-2028.html
[4] https://www.ft.com/content/5c104e5e-7aea-11e9-8b5c-33d0560f039c
[5] https://www.reuters.com/world/middle-east/dubai-cloud-kitchen-kitopi-raises-415-mln-investors-including-softbank-2021-07-01/
[6] https://www.globenewswire.com/news-release/2021/08/04/2274306/0/en/Global-Cloud-Kitchen-Market-Report-2021-2028.html
[7] https://www.ft.com/content/a66619b0-77e4-11e9-be7d-6d846537acab