كانت الجولة الشرق أوسطية الأخيرة التي قام بها الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني الإماراتي ملفتة للأنظار، كونها جاءت في ظل شيوع حالة من عدم اليقين في المنطقة، إلا أن الجولة ساهمت في بث حالة من التفاؤل بإمكانية تقديم حلول لأزمات الشرق الأوسط من داخل الشرق الأوسط نفسه وعلى يد قيادات من المنطقة لا من خارجها.
بدأت جولة الشيخ طحنون بن زايد بزيارة إلى مصر، حيث استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي في مدينة العلمين الجديدة غرب مصر بتاريخ 10-8-2021. تبعها بزيارة إلى الأردن، حيث استقبله الملك عبد الله بتاريخ 21-8-2021. ثم زيارة إلى قطر، حيث استقبله الشيخ تميم بن حمد بتاريخ 27-8-.2021 ثم زيارة إلى تركيا حيث استقبله الرئيس أردوغان بتاريخ 18-8-2021
دور الشيخ طحنون بن زايد في إدارة نقطة تماس السياسة الخارجية مع الأمن
كان اللقاء بين الشيخ طحنون بن زايد والرئيس أردوغان ملفتاً على المستوى البروتوكولي، وهو ما نوهت إليه صحيفة المونيتور الأمريكية باعتبار ان البروتوكول يقتضي أن يكون اللقاء بين النظراء، أي بين الشيخ طحنون بن زايد وبين مسؤول الأمن القومي التركي (هاكان فيدان) أو إبراهيم كالن المستشار الأمني للرئيس أردوغان، إلا أن اللقاء جمع بين الشيخ طحنون مستشار الأمن الوطني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفي هذا الشأن، قال الدبلوماسي الهندي (نافديب سوري) الذي يقود مهام بحثية حالياً في غرب أفريقيا وشغل سابقاً منصب السفير الهندي في مصر والإمارات ومدير إدارة غرب أفريقيا في وزارة الخارجية الهندية، في مقالته بمركز Observer research Foundation إن الأوراق الجيوسياسية في الشرق الأوسط تشهد إعادة ترتيب . مشيراً إلى أن رحلات الشيخ طحنون بن زايد الأخيرة إلى قطر وتركيا إنما تمثل نهجاً إماراتياً جديداً يستهدف دفع المنطقة نحو التركيز على التنمية والاقتصاد بدلاً من التركيز على نقاط الاحتكاك. وكونه رجلاً براجماتياً ويرأس الجهاز الأمني والمشرف على نقطة التقاطع بين السياسة الخارجية والأمنية لدولة الإمارات العربية المتحدة فإنه يُحسن إدراك التحولات التي تطال المنطقة خصوصاً تلك الأخيرة في أفغانستان واحتمالات تحول قطر لنقطة اتصال مع نظام طالبان الجديد الذي بات أمراً واقعاً.
جهد استخباراتي سابق
لفتت اسوشيتد برس إلى ما قاله الرئيس اردوغان بأن الفضل في التمهيد لإصلاح العلاقات مع الإمارات إنما يعود إلى الدور الذي لعبته الاستخبارات التركية التي عملت لشهور طويلة من أجل الوصول إلى هذه المرحلة. وهو ما أكده إبراهيم كالن في حوار مع TRT التركية، حيث قال “أن الوصول إلى هذه المرحلة من النضج تم بفضل جهود جرت خلال الخمسة او الستة أشهر الماضية”. وقال كالن أن “الشيخ طحنون رجل ذو حيثية ودور هام في الإمارات بما يعزز من أهمية الزيارة”. وهو الأمر الذي يحيلنا إلى نقطة ترجيح تفيد بأن جهوداً استخباراتية تمت بين الطرفين خلال الفترة الأخيرة من أجل التمهيد للوصول لهذه المرحلة، ومن المؤكد أن هذه الجهود عملت على الوصول إلى حلول مفيدة لِكلا الطرفين في بؤر الاحتكاك المختلفة مثل ليبيا أو القرن الأفريقي أو التنظيمات المتطرفة.
انتهت مهمة مكافحة التنظيمات المتطرفة بنجاح
أشار مركز ستراتفور الأمريكي إلى أن الزيارات الأخيرة التي قام بها الشيخ طحنون لتركيا وقطر إنما تمثل عملية انتقال من مرحلة لأخرى، فبعد النجاح في مكافحة التنظيمات المتطرفة وسقوط أو إضعاف الحكومات المدعومة من الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وتونس، فإن الإمارات سوف تقلل من تركيزها على مخاطر التنظيمات الإسلامية العابرة للحدود مقابل تكثيف التركيز على الاقتصاد وخلق مساحات لعلاقات استثمارية بينها وبين الدول الأخرى ومنها قطر. فبحسب المقال فإن شركات الإنشاءات الإماراتية ستكون جاهزة لتحقيق استفادة من مشاريع البنية التحتية اللازمة لاستقبال كاس العالم 2022 في قطر. فيما ستستفيد قطر أيضاَ من عودة حركة الطيران بينها وبين الإمارات باعتبار أن مطار دبي نقطة ربط مهمة للتدفقات السياحية وحركة الأعمال نحو قطر.
أشار معهد واشنطن إلى أن الوجه الأيديولوجي الإسلامي الذي كان يسيطر على السياسة الخارجية التركية قد شابه الضعف. وقد دلل المعهد على ذلك بطلب أنقرة مؤخراً من قيادات الإخوان المسلمين تخفيف حدة الانتقادات الموجهة للحكومة المصرية. وبالتالي فإن الخلاف الأيديولوجي لم يعد عقبة -في الوقت الحالي- على الأقل أمام تطبيع العلاقات الإماراتية التركية. خصوصاً أن الإمارات هي الأخرى باتت تدرك مدى الضعف الذي طال الإخوان المسلمين وتنظيمات إسلامية أخرى. وهذا يحيلنا إلى استنتاج مفاده أن زيارة الشيخ طحنون بن زايد إنما جاءت مستندة إلى اطمئنان مسبق بالحالة الهشة التي باتت عليها التنظيمات الإسلامية وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين بصفته المفرخة الفكرية لكل سياقات التطرف والإرهاب في المنطقة.
في نفس الشأن قالت فايننشال تايمز أن المساعي الإماراتية الأخيرة جاءت متأثرة بتوقف الحرب الأهلية في ليبيا ما ساهم في تهدئة حدة الصراع بين الأطراف الإقليمية، وهو الوضع الذي سيكون له انعكاسات إيجابية على بؤر ساخنة مثل سوريا. وقد لفت مقال فايننشال تايمز إلى أنه على الرغم من وجود دعم يتم توجيهه حتى اللحظة لبعض الميليشيات المسلحة إلا أننا لا نستطيع الحصول على أفضل من ذلك، أو اختصاراً (نحن أمام أفضل صفقة ممكنة)
Win-Win Situation مكاسب اقتصادية للجميع
قالت صحيفة المونيتور أن انخفاض أسعار النفط والأثار السلبية التي تركتها الجائحة كانت من المحفزات الرئيسية في دفع كافة الأطراف الإقليمية لتسريع إصلاح العلاقات المتوترة، خصوصاً في ظل استعداد الإمارات لاستضافة إكسبو 2020 وقطر لكأس العالم 2022 ، والتهديد المحتمل القادم من أفغانستان، والضعف الذي طال الاقتصاد التركي.
وفي هذا الشأن قالت صحيفة واشنطن بوست أن تركيا المعزولة إقليمياً بسبب سياسات الرئيس أردوغان ستستفيد من زيارة الشيخ طحنون بن زايد. فاللقاء من شأنه مساعدة أنقرة في إصلاح علاقاتها المتوترة مع القوى الإقليمية الأخرى مثل مصر والمملكة العربية السعودية.
وتأكيداً على موقع الاقتصاد وحركة الاستثمارات من هذه التحركات الدبلوماسية الأخيرة، فإن (سيد بصر) المدير التنفيذي للشركة العالمية القابضة IHC التابعة لرويال جروب قد صرح لرويترز بتاريخ 25 أغسطس 2021 أن الشركة تسعى لفتح استثمارات في تركيا بقطاعات مختلفة تشمل الرعاية الصحية وتصنيع الأغذية. وبحسب رويترز فإن الشركة أصبحت مؤخراً صاحبة الأسهم الأعلى قيمة في بورصة أبو ظبي. وقد قال السيد بصر أن وفداً من الشركة سيزور تركيا -هذا الأسبوع- لاستكشاف الفرص الاستثمارية في تركيا التي تمتلك أكبر منشآت لتصنيع الأغذية، مؤكداً أن هذا القطاع من أهم الأهداف الاستثمارية للشركة. وقد لفتت رويترز إلى مقابلة الرئيس التركي أردوغان مع قناة كانال التركية في نفس ليلة زيارة الشيخ طحنون بن زايد الذي أكد على أنه يأمل لقاء الشيخ محمد بن زايد بشأن توثيق العلاقات الاقتصادية، حيث أشار أردوغان إلى تطلع بلاده للاستثمارات الإماراتية.
في نفس السياق، قالت بلومبرج، أن الزيارة جاءت لاحقة لعدة ترتيبات استثمارية بين تركيا والإمارات بالفعل، حيث كانت شركة مبادلة التابعة لصندوق أبو ظبي للاستثمار قد استثمرت في شركة GETIR الناشئة لتوصيل البقالة بمبلغ 555 مليون دولار خلال هذا العام، وفي أغسطس الحالي قامت شركة Fenix للسكوتر المتواجدة بالإمارات بشراء شركة Palm5 التركية مقابل 5 مليون دولار. في حين قامت شركة KITOPI الناشئة ومقرها دبي والعاملة في مجال المطابخ السحابية Cloud Kitchens بضخ 415 مليون دولار للاستثمار في شركة Dogus Group التركية وهي إحدي أكبر الشركات العاملة في نحو 7 قطاعات منها السيارات ومتاجر البيع بالتجزئة والمطاعم والمقاهي والقنوات التلفزيونية وشركات السياحة.
قال معهد واشنطن أن هذه الزيارات وتحديداً زيارة الشيخ طحنون إلى تركيا إنما تأتي بعد أن أصبحت القيادات في كلا البلدين أكثر دراية بقدرات ونوايا بعضهما البعض بعد سنوات من الاحتكاك والمنافسة الشديدة. وبعد أن سنحت الفرصة لكل من أنقرة وأبو ظبي لاختبار وقياس نقاط القوة لدى بعضهما البعض في عدة ميادين وعلى رأسها ليبيا.
وقد انتهزت القيادة الإماراتية فرصة ضعف قدرة تركيا بسبب مشاكلها الاقتصادية والعديد من المشاكل الداخلية الأخرى التي تواجه الحكومة، للحصول على تنازلات من أردوغان، وهو نفس المسعى الذي استخدمته مصر والسعودية. ورغم ذلك يشير معهد واشنطن إلى أن الصراع قد يعود مره أخرى في حالة تعافي الاقتصاد التركي وقدرة أردوغان على حل مشاكله الداخلية ما يجعله قادراً على إثارة الاحتكاك مره أخرى والعودة إلى مسار الصراع الجيوسياسي والأيديولوجي.
وهو ما لفتت إليه فايننشال تايمز التي أبدت تخوفاً من أن هذا الزخم قد يكون (سلام بارد وهش) باعتباره نتيجة للضغوطات الاقتصادية التي تسببت فيها الجائحة. وهو الأمر الذي قد تثبته التحركات اللاحقة أو تنفيه.
وقد تطرقت صحيفة Arab News إلى موقع الاقتصاد من زيارة الشيخ طحنون بن زايد إلى مصر. وذلك بالإشارة إلى أن مصر والإمارات يستهدفان الوصول بعلاقاتهما الاقتصادية إلى أعلى مستوى، في الوقت الذي أشاد فيه الشيخ طحنون بن زايد بالمناخ الاستثماري وجهود التنمية التي تشهدها مصر بما يوفر فرص غير مسبوقة للاستثمارات الإماراتية في مصر بكافة القطاعات. وهو ما أكده محمد السويدي الرئيس التنفيذي لشركة أبو ظبي التنموية القابضة بأن مصر سوقاً واعدة. وكان كل من صندوق مصر السيادي وشركة أبو ظبي التنموية القابضة قد أطلقا منصة استثمار استراتيجية مشتركة في عام 2019 بقيمة 20 مليار دولار، وقد جرى تمويل مشروعات بقيمة 3 مليارات دولار حتى الآن من خلال تلك المنصة.