خلفية
كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قد صادق بتاريخ 29-7-2021 على القانون رقم “6” لسنة 2021، الخاص بنظام انتخاب مجلس الشورى، وعلى قانون مرسوم رقم (37) لسنة 2021 بتحديد الدوائر الانتخابية لمجلس الشورى ومناطق كل منها، وعددها 30 دائرة انتخابية.
ويقضى القانون بإجراء أول انتخابات تشريعية في قطر في أكتوبر المُقبل، وذلك قبل ويبلغ أعداد أعضاء هذا المجلس 45 عضواَ، يقوم المواطنين القطريين بانتخاب 30 عضواَ بينما يقوم الأمير بتعيين 15 عضواً.
وقد وضع هذا القانون عدة اشتراطات بخصوص من له الحق في الانتخاب أو الترشح، وهي:
- فيما يخص من له حق الانتخاب: يحق انتخاب أعضاء مجلس الشوى كل من كانت جنسيته الأصلية قطرية، وأتم 18 سنة ميلادية، ويُستثنى من شرط الجنسية الأصلية كل من أكتسب الجنسية القطرية بشرط أن يكون جده قطرياً ومن مواليد قطر.
- فيما يخص من له حق الترشح: اشترط القانون أنه يتعين على المرشح أن تكون جنسيته الأصلية قطرية، ولا يقل عمره عن 30 سنة ميلادية.
- كيف يتم تشكيل مجلس الشيوخ القطري؟
في عام 1971 أصبحت قطر دولة ذات سيادة، ثم بدأت لاحقاً في بناء هياكلها السياسية المختلفة ومن ضمنها مجلس الشيوخ الذي تأسس عام 1972، ويتم تعيين كافة أعضاؤه منذ ذلك التاريخ وحتى الآن بتسمية من أمير قطر. أي أنه وطوال 50 عاماً كان أمير قطر هو صاحب القرار في تسمية أعضاء المجلس المسؤول عن سلطة التشريع وإقرار الموازنة العامة وممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية التي يمثلها الأمير الذي قام بتعيين المجلس المسؤول عن مراقبته.
وفي عام 2003 كان القطريين قد قاموا بالتصويت على دستور جديد ينص على إجراء انتخابات لمجلس الشورى بالانتخاب الجزئي وليس بالتعيين الكامل. إلا أن هذا النص قد تم تأجيله طوال السبعة عشر عاماً الماضية إلى أن صدر القانون الأخير منذ نحو أسبوعين، وقبل عام واحد من استضافة قطر لبطولة كأس العالم 2022.
لماذا انتفض قطريون معترضون على القانون الأخير؟
شهدت قطر عبر فضائها الافتراضي والواقعي حالة من الزخم الذي قاده قطريون رافضون للقانون الجديد الذي وصفوه بالتعسفي والعنصري، حيث نزل قطريون إلى الشارع منددين بالقانون، ما دفع بعناصر الشرطة لمواجهة المنتفضين، في حين تم إغلاق معظم الشوارع الرئيسية في قطر، وإلقاء القبض على بعض المواطنين.
فبموجب القانون الصادر بشأن إجراء وتنظيم انتخابات مجلس الشيوخ فإنه حصر حق الترشح على كل من كانت له جنسيته الأصلية قطرية. وفي بلد صغير يتم استخدام التجنيس فيه كأداة لكسب الولاءات ولإدارة النفوذ والمناوشات السياسية والقبلية والحساسيات التاريخية، فإن هذا الشرط كان كافياً لاستدعاء عدة مآسي قطرية مكتومة لتظهر على السطح، ومن ضمنها مشكلة (آل مرة). حيث يعني القانون من ضمن ما يعني أن أي من أبناء قبيلة (آل مرة) لا يحق لهم الترشح في انتخابات مجلس الشيوخ المُقبلة كون جنسيتهم الأصلية ليست قطرية.
من هي قبيلة آل مرة؟
تُعتبر قبيلة (آل مرة) من قبائل التماس الحدودي في منطقة الجزيرة العربية، بمعنى أنها من القبائل التي سكنت مناطق حدودية وتسبب التقسيم الاستعماري في حينه ثم تحول العديد من مشيخات الخليج بعد التحرر من الاستعمار البريطاني إلى شكل الدولة ذات السيادة وما ترتب على ذلك من ترسيم الحدود بأن توزعت هذه القبائل الحدودية ليُصبح جزأ منها ضمن حدود كل دولة من الدول الجديدة. كأن نجد قبيلة وقد عاش نصف سكانها في جنوب شرق السعودية، والأخر في الجهة المقابلة من شمال غرب قطر، وكأن نجد قبيلة وقد عاش بعضها بعد الترسيم في شمال الكويت والنصف الأخر في الجهة المقابلة من الحدود جنوب العراق.
انطبق هذه الوضع على قبيلة (آل مرة)، التي تمركزت تاريخياً في المنطقة الحدودية بين المملكة العربية السعودية وفي قطر لتمتد ديارهم حتى تصل إلى ما بعد منطقة سلوى وجنوب ووسط قطر. ويؤكد كافة المؤرخين والرحالة الذين زاروا الجزيرة العربية أن (آل مرة) قد سكنوا قطر منذ مئات السنين وليس فقط مع إعلان قيام دولة قطر بصيغتها الحالية. حيث أورد المؤرخ والرحالة ج.لوريمر في كتابه (دليل الخليج الفارسي وعمان ووسط الجزيرة The Gazetteer of the Persian Gulf, Oman and Central Arabia) الصادر عام 1908[1] أن (آل مرة) سكنوا قطر. وفي إحدى الوثائق المؤرخة بعام 1904 والتي كتبها السياسي البريطاني “بيرسي كوكس” أثناء التخطيط للثورة العربية ضد الأتراك فقد ورد فيها أن (عرب آل مرة قد قطنوا في قطر وقد ضربوا خيامهم في سلوى على الحدود الغربية لقطر).
بالإشارة إلى ذلك، فإن (آل مرة) قد سكنوا قطر منذ مئات السنين منذ أن كانت مجرد مشيخة إلى أن أصبحت دولة ذات سيادة. وهو ما يجعل شروط الجنسية القطرية الأصلية تنطبق عليهم. حيث تنص المادة الأولى من قانون الجنسية القطرية على[2]:
- القطريون الأصليون هم من توطن في قطر قبل عام 1930 وحافظوا على إقامتهم العادية فيها، واحتفظوا بجنسيتهم القطرية حتى عام 1961.
- من ثبت أنه من أصول قطرية، ولو لم تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في البند السابق، وصدر باعتباره كذلك قرار أميري.
وعلى الرغم من تلك الشواهد التاريخية، وعلى الرغم من التصور الشائع في كافة دول الخليج بأن (المري) غالباً ما يكون قطرياً، كون قطر تضم أكبر عدد من (المريين)، فإن السلطات القطرية لا تعتبر (آل مرة) من ذوي أصول قطرية، وهو ما يجعل إمكانية تقدمهم للترشح في انتخابات مجلس الشيوخ المقبلة أمراً مرفوضاَ بموجب القانون الذي أصدره أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وهو ما دفع بــ(آل مرة) للانتفاض بالشوارع وإلقاء خطابات مُسجلة ومفتوحة إلى السلطات وإلى الأمير تميم بأن ( آل مره سوف يطالبون بحقوقهم الدستورية وكرامتهم داخل وطنهم حتى لو كتب لهم الموت في سجونه). وذلك حسب الخطاب الذي وجهه المحامي القطري هزاع المري إلى أمير قطر. فيما وصف أخرون بأن السلطات تتعامل مع القطريين من (آل مرة) بأنهم مماليك العصر.
أبعد من أزمة الجنسية الأصلية.. لماذا يعادي حُكام قطر قبيلة آل مرة؟
رغم هذا الزخم في قطر، إلا أن المشكلة المرتبطة بالجنسية القطرية ليست هي لُب الأزمة، فالأمر أبعد من ذلك، وهو مرتبط بحالة من العداء الرسمي الحكومي بشكل عام ومن آل ثاني بشكل خاص تجاه قطاع من القطريين من (آل مرة). وذلك لعدة أسباب:
- هناك حالة من الحساسيات التاريخية والعداء الذي تكنه قطر تجاه المملكة العربية السعودية، وقد تسبب هذا العداء في تشكيل حالة من عدم الثقة تجاه كل ما له ارتباط بالسعودية حتى لو ارتباط الدم والقبيلة. وفي ظل تواجد لآل مرة في السعودية فقد جرت العادة أن تقوم السلطات القطرية بمعاقبة (آل مرة) من القطريين نظراً لارتباطهم القبلي بالمملكة العربية السعودية، وتتم ترجمة هذا العداء القطري في عدة أشكال منها سحب السلطات القطرية للجنسية من أفراد قبيلة آل مره بُحجة أنهم سعوديين أكثر من كونهم قطريين، والاشتباه في تكرار سفر الكثير منهم إلى السعودية في ظل تغافل السلطات القطرية أن للمريين أبناء عمومة في السعودية. وهو ما يتعرض له بشكل موسع كافة أبناء “فخد الغفران/الجفران” من قبيلة “آل مرة” البالغ عددهم نحو 6 آلاف مواطن قطري، وبالإضافة إلى سحب الجنسيات يتم الاستيلاء على مساكنهم وحرمانهم من كافة الامتيازات التي يحصل عليها المواطن القطري. [3]
- عززت محاولة الانقلاب التي تمت في قطر من الموقف العدائي تجاه (آل مرة)، وذلك بسبب مشاركة عدد من المريين في المحاولة التي لم يُكلل لها النجاح من الشيخ خليفة بن حمد عام 1996 لاستعادة الحكم بعد انقلاب ابنه الشيخ حمد بن خليفة عليه في عام 1995, ولم يتم الإفراج عنهم إلا عام 2010 بوساطة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود لدى أمير قطر.[4] ومنذ ذلك التاريخ تم تعميق حالة العداء والشك تجاه المريين من أهل قطر، رغم أن تاريخ قبيلة (آل مرة) في قطر يشهد بوقوف القبيلة ضد الأتراك إبان الثورة العربية الكبرى أثناء محاولتهم الاستيلاء على قطر، بل أن نفس القبيلة قدمت الدعم لمحمد بن ثاني آل ثاني جد حاكم قطر الحالي أثناء معركته ضد آل خليفة حكام البحرين في المعركة الشهيرة المعروفة بحرب “الزبارة” عام 1868 . [5]
- ساهمت حالة العداء المستمرة التي يكنها النظام القطري تجاه كافة أبناء قبيلة “آل مرة” أن أصبح (المريين) في قطر على قلب رجل واحد، باعتبار أن معاناتهم واحدة ولديهم شعور عميق بالظلم في وطنهم، وهو ما أفرز تخوف لدى النظام القطري من أن وصول “المريين” إلى مجلس الشورى سواء مُرشحين أو ناخبين قد يترتب عليه ظهور تكتل سياسي وقبلي خارج عن سيطرة النظام، خصوصاً وأن عدد السكان من (المريين) كبير جداً أو بلغة الانتخابات فإن المريين يُعتبروا (كتلة وازنة)، بالإضافة إلى أنها من القبائل المعتزة بعصبيتها وتلاحمها، ما يعني احتمال خروج نتائج الانتخابات عن الخط المتوقع، وتحولها من مجرد ديكور إجرائي تحتاجه قطر في حملات العلاقات العامة على المستوى الدولي لتصبح صداع في دماغ النظام السياسي وقد صنعه بنفسه.
ننتهي إلى نتيجة مفادها، أن هناك العديد من العوامل التاريخية والسياسية، على المستويين الداخلي والإقليمي المرتبطة بموقف سياسي آني له جذور في تاريخ علاقات قطر الإقليمية بمنطقة الخليج. وجميعها عوامل قد ساهمت في تشكيل هذا الموقف الرسمي المُعادي تجاه قبيلة “آل مرة” في قطر والذي عادة ما تتم ترجمته في النيل من (المريين) عبر العديد من السياسات والقرارات التي تتم هندستها لهذا الغرض، وكان أخرها القرار الأخير بشأن الترشح لمجلس الشيوخ والذي تمت هندسته بشكل غاية في الاحتراف لضمان عدم تمكن أي من القطريين من (آل مُرة) من دخول مجلس الشورى القطري. ما يعني أننا أمام أزمة ممتدة وان انتهت حالياً إلا أنها مرشحة للظهور لاحقاً مره أخرى ما لم يتم معالجتها داخلياً باعتبارها أزمة مرتبطة بموقف سلبي من نظام الحكم في قطر تجاه أحد المكونات الرئيسية التي تُشكل المُجتمع.
مراجع
[1] (دليل الخليج الفارسي وعمان ووسط الجزيرة The Gazetteer of the Persian Gulf, Oman and Central Arabia) https://brill.com/view/db/loro?language=en
[2] للاطلاع على قانون الجنسية القطرية رقم 2 لسنة 1961 https://www.almeezan.qa/LawView.aspx?LawID=2578
[3] عائلة من قبيلة آل مرة تروي القتل البطيء الذي واجهته في قطر، العربية، 16-4-2005، https://www.alarabiya.net/articles/2005%2F04%2F16%2F12213
[4] قطر تعفو عن سجناء بمحاولة انقلابية بعد وساطة الرياض، سي إن إن، 26-5-2010، http://archive.arabic.cnn.com/2010/middle_east/5/25/qatar.saudi/
[5] The Al-Murrah Tribe in Qatar: Political Impact
https://scholarworks.wmich.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=4870&context=masters_theses