علي خلفية عقد قمة ثلاثية في عمّان، بين مصر والأردن والعراق، بتاريخ 25 أغسطس 2020، جري الحديث عن إنشاء اتفاقية شراكة اقتصادية بين الدول الثلاث، أو ما عرف ب “مشروع الشام الجديد”، وفي هذا السياق يستهدف هذا التحليل الوقوف على ماهية هذا المشروع وأبعاده وأهدافه الاقتصادية والسياسية على المدي القريب والبعيد، مرورًا بدوافع ودلالات إطلاقه في هذا التوقيت.
مشروع الشام الجديد: ماذا يعني ومتي ظهر؟
مشروع الشام الجديد، هو مشروع طرحه رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، على الملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال القمة الثلاثية في عمّان 25 أغسطس 2020، بهدف إيجاد وتعزيز المصالح المشتركة بين مصر والأردن والعراق، ولغرض أن يكون نواة لاتحاد عربي أكثر توسعاً مستقبلا.
يعتمد هذا المشروع على أعمدة ثلاثة، هي الكتلة النفطية في العراق، والكتلة البشرية في مصر، والأردن كحلقة وصل بينهما، ووفق المشروع، سيتم مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق، وصولا إلى ميناء العقبة في الأردن ومن ثم مصر.
المشروع ليس وليد اللحظة، حيث كان العراق قد اتفق مع الأردن على مد أنبوب نفط من حقل الرميلة جنوب العراق إلى ميناء العقبة، وكان من المفترض أن يُطرح عطاء دولي لتنفيذه، لكن تسببت جائحة كورونا في تعطيل المشروع، إلا أن هذا الوضع لم يمنع الوفد العراقي الذي زار واشنطن مؤخرا من توقيع اتفاقية مع شركة “جنرال إلكتريك” بقيمة 727 مليون دولار لإنجاز الربط الكهربائي بين عمّان وبغداد. حيث تشير التفاصيل الأولية للمشروع إلى إنشاء خط للكهرباء يمتد 300 كيلومتر من مدينة الريشة في الأردن وحتى مدينة القائم في العراق، وتشمل المرحلة الأولى استيراد 150 ميغاواط كهرباء من الأردن على أن تخضع لزيادة مستمرة حتى تنتهي بـ 960 ميغاواط حين تنضم مصر للمشروع.
وتأتي القمتان في إطار رغبة مصر والأردن لتطوير تكتل أمني ودبلوماسي واقتصادي بين الدول الثلاث، حيث أنهم معا، لديهم ثلث سكان العالم العربي وثروة من الموارد الثقافية والزراعية والطبيعية؛ وتقول مصادر مصرية وأردنية إن البلدين يأملان في استخدام التكتل وتحالفاتهما لإعادة تأكيد الدبلوماسية العربية والصوت العربي في منطقة تتزايد فيها الأزمات الحالية من قبل جهات فاعلة خارجية؛ وكجزء من رغبتهم في إضفاء الطابع المؤسسي على كتلتهم، لذلك تم إنشاء أمانة تنفيذية ولها مقر دوري سنوي، لتكون البداية من وزارة الخارجية الأردنية التي تحتضن المقر حالياً.
وفي ذلك السياق، قال القيادي في ائتلاف النصر العراقي، عقيل الرديني، عن تفاصيل مشروع الشام الجديد، وقال “، إن “مشروع الشام الجديد وفق النسق الأوروبي الذي تحدث عنه الكاظمي، ليس وليد اليوم وإنما طرح في زمن رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي”، وأضاف أن “المشروع يقوم على أساس التفاهمات الاقتصادية والسياسية بين العراق ومصر، وقد دخلت الأردن على خط المشروع مؤخرا”
ماهي أهداف مشروع الشام الجديد؟
تتضح الأهداف السياسية للمشروع في عدة جوانب أهمها ما ورد في البيان الختامي للقمة الثلاثية، الذي أكد على مركزية القضية الفلسطينية، وضرورة تفعيل الجهود لتحقيق السلام الشامل الذي يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وخصوصا حقه في الدولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، بالإضافة لضرورة وقف إسرائيل ضم أي أراضي فلسطينية. وهو البيان الذي كان يهم الأردن لغرض التأكيد على أهمية دور الوصاية الهاشمية التاريخية في حماية هذه المقدسات وهويتها العربية والإسلامية وبالنسبة لمصر، فإنها وجدت في الاتفاق موطئ قدم لمواجهة طهران وأنقرة. بينما العراق يبحث عن ملاذ وحواضن ترضي عنها واشنطن حتى لا تبقي قيادته متهمة بالارتباط بطهران.
وتتضح الأهداف الأقتصادية في مايلي:
تفعيل خط نفط من البصرة، إلى الأراضي المصرية ممتدا عبر الأراضي الأردنية، وتحصل البلدان “مصر والأردن” على تخفيضات تصل إلى 16 دولار على البرميل، بينما تستورد العراق الكهرباء من مصر والأردن، بالإضافة إلى استقطاب بغداد للاستثمارات من البلدين، هذا فضلًا عن تعزيز التكامل في هذا الشأن بالتركيز على مجال الطاقة، وتطوير المناطق الصناعية المشتركة من خلال التعاون في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، إضافة إلى توسيع الشراكات الاستراتيجية المتعددة وتشكيل لجنة فنية مشتركة.
كما إن نقل النفط العراقي إلى مصر يصب في مصلحة الدولتين.. حيث أن خط الغاز العربي يربط مصر بالعراق بالفعل، وهو موجود منذ سنوات؛ كما أنه يمكن أن تقوم العراق بتكرير نفطها في معامل التكرير المصرية بما يحقق قيمة مضافة إلي مصر، ويؤمن جزء من صادرات النفط العراقي بعيدًا عن المضايقات الإيرانية بمضيق هرمز. حيث أن مرور النفط العراقي والخليجي مستقبلا عن طريق مصر سيعزز من اقتصاد تلك الدول ويساعد على تحقيق شراكات استراتيجية وإضعاف للنفوذ الإيراني.
وفي الوقت الذي يضمن فيه المشروع لمصر الحصول على أسعار زهيدة من نفط العراق، فهو أيضًا يضمن فتح سوق جديدة في حال خسرت سوقها التصديري الكبير في الخرطوم بسبب الأسعار التنافسية التي وعدت إثيوبيا بها، إلى جانب أنّ مصر حاليًا بصدد إنشاء مشروع ربط كهربائي جديد مع السعودية بتكلفة مليار و600 مليون دولار، بهدف تبادل 6000 ميجا وات بين البلدين.
هذا فضلًا عن الأزمة التي اصاب المنطقة العربية والعالم جراء تداعيات أزمة كورونا، مما يجعل هذا التجمع الاقتصادي مهمًا للدول الثلاث لتعزيز اقتصاداتها، ويتضح ذلك في تأكيد الزعماء الثلاثة للمبادرة على أن جائحة كورونا وتداعياتها لا ينبغي أن تعيق استمرار التنسيق.
ماهو موقع “مشروع الشام الجديد” من حركة التحالفات الإقليمية؟
يعتبر الاصطفاف المصري العراقي الأردني هو الأحدث في سلسلة من المحاولات للتعامل مع التحولات الكبرى في التوازن الاستراتيجي للمنطقة، حيث مرت أعوام على غياب هيمنة مراكز القوى العربية التقليدية (مصر وسوريا والعراق)، على الكثير من العلاقات العربية البينية والسياسات الإقليمية، ففي أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، ثم انتفاضات الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تراجع نفوذ مصر وسوريا والعراق، وبدلا من ذلك، مالت السيطرة على المنطقة إلى قوى أخرى بطرق مختلفة، وهي إسرائيل وإيران وتركيا.
من ناحية أخرى تدخل مصر خطاً ثانياً من مواجهة غير مباشرة مع إيران، بجانب موقفها المعلن، بمساندة دول الخليج، ويظهر الاتفاق أيضاً بوصفه ورقة جديدة، يمكن أن تستخدمها مصر في تنافسها مع تركيا، والحكومة العراقية بدورها تبحث عن أرضية تستوعب من خلالها قطاعاً عريضاً من المتظاهرين في الميادين، من خلال البحث عن عمق عربي يواجه سيطرة إيران على العديد من القوى السياسية الفاعلة في العراق، خصوصاً أن التحالف مع مصر والأردن، لا يواجه معارضة أمريكية، والتي تحاول البقاء في العراق بدون تكلفة مرتفعة.
وفي هذا السياق، فإن الاصطفاف المصري العراقي الأردني ليس تحالفا جديدا وقويا بالمعنى التقليدي كاتفاق دفاع رسمي. بل هو في الأساس كتلة أكثر مرونة تهدف إلى التعاون في مجالات الأمن والدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية؛ بالإضافة إلى ذلك، لا يمثل التحالف الثلاثي تهديدا للدول العربية الأخرى، بقدر ما يمثل تحدياً للقوى غير العربية في المنطقة، وأهمها إيران وتركيا.
خاتمة:
يمكن قراءة أهداف هذا المشروع واستشراف مستقبله في ضوء كل من المكاسب المتوقعة لكل دولة من جهة، ومدي إمكانية تحقيق وتطبيق المشروع على أرض الواقع من جهة أخري، حيث أن المكاسب الاقتصادية المتوقعة يمكن أن تشمل بشكل أساسي أن يكون هنالك صناعات مشتركة ومدن صناعية وتجارة بينية بين دول الاتفاق، إلى جانب فرص لتأسيس فضاء اقتصادي وثقافي وسياسي، ويمكن أن تكون بداية لدخول دول عربية أخري في التكتل على رأسها المملكة العربية السعودية.
أما بالنسبة لمدي إمكانية تطبيق المشروع على أرض الواقع في مرحلة تالية، فهو مرهون بالتوافق والإرادة السياسية في المقام الأول، حيث أن لكل دولة أهدافها ومصالحها القومية التي تعطي لها أولوية قصوي، إلي جانب الملفات المشتركة التي يتفق عليها الدول الثلاث كالموقف من القضية الفلسطينية وضرورة تحقيق استقرار في المنطقة العربية.
هذا فضلًا عن أنه انطلاقًا من أن الاقتصاد أساس العمل السياسي، والتحالف في العمل السياسي يهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي والأمني وغير ذلك، خاصة أن هذه الدول تتماثل بيئتها وتركيبتها السكانية ومصالحها وتاريخها ولغتها المشتركة، وبناء على ما سبق فإن هنالك احتمالية كبيرة لتطبيق مشروع الشام الجديد على أرض الواقع
المراجع:
1- “البيان الختامي للقمة الثلاثية المصرية الأردنية العراقية”، سبوتنيك عربي، 2020/8/25.
2- ” سيناقشه الكاظمي مع ملك الأردن ورئيس مصر .. الكشف عن تفاصيل مشروع ” الشام الجديد”، بغداد اليوم
3- “الشام الجديد.. تعرف علي تفاصيل المشروع العملاق بين مصر والعراق والأردن”، البوابة نيوز، 2020/8/27.
4- سامح المحاريق، ” مشروع الشام الجديد: انقلاب استراتيجي أم حلم معاد؟”، صحيفة القدس العربي، 2020/8/27.
5- “مشروع الشام الجديد: هل فعلًا سيغير وجه الشرق الأوسط كليًا؟”، شبكة النبأ المعلوماتية، 2020/8/31.
https://bit.ly/3a5nP5j
6- ماري ماهر. ” الشام الجديد.. تحالف عربي في مواجهة المشروعين التركي والإيراني”، المركز المصر للفكر والدراسات الإستراتيجية: المرصد المصري، 2020/8/30.
7- ” تحالف المهمشين .. ماذا وراء التقارب بين مصر والأردن والعراق؟”، مركز الخليج الجديد، 2020/9/18.
https://bit.ly/3gIQn5G
8- نضال منصور، الشام الجديد..تحالف شريانه أنبوب نفط، الحرة. 2020/9/3.
https://arbne.ws/348nv1C
9- Taylor Luck,” Jordan, Iraq and Egypt denounce foreign meddling in region at Amman talks”, The National News, 25/8/2020.
Available at: