يتصاعد الضغط الإعلامي تجاه قناة الجزيرة القطرية بالولايات المتحدة الأمريكية على إثر مطالبة عدد من أعضاء من مجلس الشيوخ والكونغرس النائب العام بأن تقوم وزارة العدل بتطبيق قانون تسجيل الوكلاء الأجانب FARA على قناة الجزيرة القطرية.
قاد خطاب المشرّعين الأمريكيين الذي وُجّه للنائب العام، السيناتور الجمهوري عن فلوريدا ماركو روبيو، مرشح الرئاسة الأميركية عام 2016، والنائب الجمهوري عن ولاية نيويورك لي زيلدين، وتوم كوتون، عضو لجنة الاستخبارات والدفاع في مجلس الشيوخ، وتيد كروز رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، إضافة إلى كل من ليزي لدين، وبراين ماست، وجاك بيرغمان، وآن فاغنر، وستيف تشابوت، وبيتر كينغ.
ورد في الخطاب أنه من أجل (حماية المصالح القومية للولايات المتحدة من النفوذ غير المبرر للدول الأجنبية، ولضمان تطبيق هذا القانون بشكل صارم، نطلب من وزارة العدل أن تطلب من قناة الجزيرة، وهي الشبكة الإعلامية التي تملكها وتمولها دولة قطر، أن تسجل تحت قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA) والامتثال لقوانين الاتصالات الفيدرالية الجديدة (FCC) المتعلقة بوسائل الإعلام الأجنبية التي تخضع لسيطرة الحكومة.)”[1]
ما هو قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA)؟
هو قانون تم إصداره عام 1938، أبان الحرب العالمية الثانية لمنع الدعاية النازية من التأثير على الأمريكيين. ويعد معيار التسجيل على لائحة القانون هو أساساً ما إذا كان كياناً مثل وسيلة إعلامية تسعى إلى التأثير في الرأي العام الأمريكي أو السياسة العامة نيابة عن كيان سياسي أجنبي مثل الحكومة الأجنبية.
وينص القانون على أنه يجب على المنظمات أو الأفراد الذين يُسجلون باسم قانون تسجيل الوكلاء الأجانب أن يعلنوا عن أنشطتهم حتى لا تساور الظنون الرأي العام الأمريكي حول وجود دوافع خفية لهذه الكيانات.
والقانون لا يفرض رقابة على حرية التعبير، بل يطالب بإثبات شفافية وتمويل الذين يشاركون في أنشطة سياسية أو أنشطة أخرى محددة بموجب القانون للإفصاح العام الدوري عن علاقتهم بالجهة الأجنبية، فضلاً عن الأنشطة والإيصالات والمدفوعات لدعم تلك الأنشطة. كذلك يسهل الإفصاح عن المعلومات المطلوبة وفقا للقانون في عملية تقييم الحكومة والشعب الأمريكي لأنشطة هؤلاء الأشخاص في ضوء وظيفتهم كوكلاء أجانب.[2]
ما الذي يجب أن تقدمه الجزيرة من وثائق وفقا لقانون (FARA)؟
يشترط القانون علي الوكيل الأجنبي تقديم عدد من الوثائق تتضمن الاتي[3]:
- بيان شامل عن طبيعة عمل الوكيل؛ يتضمن قائمة كاملة بموظفي الوكيل وبيان طبيعة عمل كل منهم ؛ اسم وعنوان كل مسؤول أجنبي يتصرف الوكيل من أجله أو يفترض أو يزعم أنه يتصرف أو وافق على التصرف ؛ طبيعة العمل أو الأنشطة الأخرى لكل مدير أجنبي من هذا القبيل ، وإذا كان أي أصل أجنبي من هذا القبيل بخلاف الشخص الطبيعي ، بيان بملكية كل منها والسيطرة عليها ؛ والمدى ، إن وجد ، الذي يتم فيه الإشراف على كل مدير أجنبي أو توجيهه أو امتلاكه أو التحكم فيه أو تمويله أو دعمه ، كليًا أو جزئيًا ، من قبل أي حكومة دولة أجنبية أو حزب سياسي أجنبي ، أو من قبل أي أجنبي آخر المالك.
- نسخ من كل اتفاقية مكتوبة وشروط وأحكام كل اتفاقية شفهية، بما في ذلك جميع التعديلات على هذه الاتفاقيات، أو في حالة عدم وجود عقد، بيان كامل لجميع الظروف، التي من خلالها يكون الوكيل وكيلاً لـ أصل أجنبي بيان شامل لطبيعة وطريقة أداء كل عقد من هذا القبيل، والنشاط أو الأنشطة الحالية والمقترحة التي ينخرط فيها أو سيشترك فيها كوكيل لمدير أجنبي لكل أصل أجنبي، بما في ذلك بيان مفصل من أي نشاط يكون نشاطا سياسيا.
- طبيعة ومقدار المساهمات أو الدخل أو الأموال أو الأشياء ذات القيمة، إن وجدت، التي حصل عليها الوكيل سواء كانت كتعويض أو للصرف أو غير ذلك، مرفقة بنموذج ووقت كل دفعة ومن تم استلامها.
- بيان مفصل عن كل نشاط يقوم به الوكيل أو يفترضه أو يفترض عليه أو وافق على القيام به لنفسه أو لأي شخص آخر غير الموكل الأجنبي والذي يتطلب تسجيله بموجب هذه الاتفاقية، بما في ذلك بيان تفصيلي لأي نشاط من هذا القبيل خاصة وان كان نشاط سياسي.
ما هي دوافع المشرعين لتسجيل الجزيرة كوكيل أجنبي؟
وفقا للخطاب الموجه للنائب العام الأمريكي، يشير إلى أن الجزيرة تشارك في أنشطة سياسية، وتنشر معلومات في الولايات المتحدة تعزّز مصالح قطر. نظراً أن قناة الجزيرة تعمل لفترة لفترة طويلة كوكيل دعاية لقطر، كذلك يتهم الخطاب الجزيرة بانتهاك قوانين الوكلاء الأجانب من خلال العمل تحت ستار منظمة إخبارية مستقلة.
وعلى الرغم من أن الجزيرة تزعم أن لها استقلالية تحريرية، وبالتالي فهي غير خاضعة للكشف عن جوانبها المالية وفقاً لقانون FARA. إلا أن قناة الجزيرة ظلت تعمل لفترة طويلة كوكيل دعاية للأمير تميم بن حمد آل ثاني وبقية أفراد الأسرة الحاكمة القطرية.[4]
وتبين وثائق الشركة أن شركة الجزيرة الدولية (AJI) كانت تحت سيطرة أمير قطر حتى عام 2018، وبعد ذلك تم تغيير الشخص الذي يسيطر بشكل كبير من أمير قطر إلى شبكة الجزيرة الإعلامية (AJMN). ويرأس مجلس الإدارة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، أحد أقارب الأمير، ويضم أعضاء آخرين من العائلة المالكة القطرية.
كذلك يشير خطاب المشرعين إلى أن الجزيرة ليست منصة مستقلة بل يتم تكميمها وظيفياً عندما يتعلق الأمر بتغطية الأخبار المحلية القطرية، كذلك فإنها تغض الطرف عن قضايا تمويل الإرهاب وهي التهم الموجهة لقطر، كما تخضع الجزيرة إلي قانون جديد أصدره أمير قطر في يناير 2020، يحظر على جميع وسائل الإعلام القطرية، نشر أي “شائعات أو بيانات أو أخبار كاذبة أو متحيزة، أو دعاية تحريضية، محليا أو في الخارج، بقصد الإضرار بالمصالح الوطنية، أو إثارة الرأي العام، أو التعدي على النظام الاجتماعي أو النظام العام للدولة مع التهديد بالسجن! وتدل هذه الممارسات على وجود شبكة إعلامية تخضع لرقابة تحريرية تامة من قبل سيادتها الأجنبية
بالإضافة إلى ذلك، تنحاز قناة الجزيرة إلى العديد من الجهات والتنظيمات التي تربطها علاقة جيدة بدولة قطر، وهي الجهات التي تسببت أنشطتها في زيادة حدة التطرف في العالم حتى اليوم.
ومثال ذلك، قيام الجزيرة بوصف الانتحاريين الجهاديين بالشهداء، فعوضاَ عن كون هذا التوصيف يمكن وصفه بانه غسيل سمعة لعمل متطرف، فإنه يوفر في نفس الوقت دافعاً لمن يحملون تطلعات وأفكار متطرفة بأن ينتقلون بها من حالة كونها مجرد أفكار إلى تطبيقها على أرض الواقع، مطمئنين في ذلك أن هناك محطة تلفزيونية عالمية سوف تبرر فعلتهم وتبيضها وتجعلها في مصاف الأعمال البطولية، حيث يساعد هذا السلوك في تحفيز التطرف الساكن ليصبح فاعلاً، وهو ما قد يشكل ضرراً على الولايات المتحدة أو غيرها.
هذا إلى جانب تمجيد دور زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وغيره من قادة الإرهاب. كما تعمل الجزيرة أثناء تغطيتها لشئون الشرق الأوسط على تبرير السلوك التخريبي في دول المنطقة تحت مبرر أنها كمحطة تلفزيونية قد جندت نفسها لتصبح منصة للأصوات التي لا تجد لها متنفساً في بلادها. وعادة ما تكون قطر في نزاع مع هذة الدول المستهدفة بالتغطية . وبذلك تكون قناة الجزيرة أكبر من مجرد محطة تلفزيونية لتصبح أحد أدوات إدارة العلاقات الدولية لصالح دولة قطر، وهو الامر الذي لا يتفق مع الإدعاء القطري الذي يقول أن قناة الجزيرة ليست قناة حكومية أو تابعة لسلطة الأمير، وبالتالي لا تنطبق عليها مواصفات التسجيل كوكيل أجنبي.
وعلى غرار الحكومة القطرية، تروج الجزيرة للسلطوية الإسلامية للإخوان المسلمين، فخلال الربيع العربي، قامت الشبكة بتضخيم الأصوات الإسلامية بينما ألقت الدوحة بثقلها وراء الحكومات المتحالفة مع الإخوان المسلمين في مصر وأماكن أخرى. وفي هذه الأثناء عاقبت قناة الجزيرة إحدى المذيعات البارزات لعدم تعاطفها مع الإخوان. وهو نفس الخط العام الذي تتميز به السياسة الداخلية والخارجية في دولة قطر.
ولا تعد الجزيرة وحدها التي ثبت أنها تباشر أنشطة سياسية لصالح دولة قطر، ففي 29 مايو 2020، تم إجبار معهد قطر -أمريكا (QAI)، وهي منظمة غير ربحية أن تسجل كوكيل أجنبي لقطر بعد أن طلبت وزارة العدل المزيد من المعلومات عن النشاط السياسي للمعهد.
ختاماً، يذكر أن فرع الولايات المتحدة من هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية (TRT) سجل أخيرًا لدى وزارة العدل (DOJ) بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA) ، بعد التهرب من شروط التسجيل لمدة عام كامل. وكذلك فعلت شبكة التلفزيون الوطني الصيني (سي سي تي في/ سي جي تي ان/ أمريكا)، حيث سجلت كذلك (بعد ضغوط كثيفة) كوكيل أجنبي في الولايات المتحدة حتى يتم السماح لها بالاستمرار في نشاطها. وفعلت ذلك روسيا، بداية من وكالة نوفوستي (منذ 2017)، إلى جانب عدد آخر من مؤسساتها الإعلامية وغير الإعلامية.
وفي هذا السياق يأتي الضغط على قطر حتى تخضع شبكة الجزيرة للقانون وتلتزم بما يلتزم به الآخرون. إلا أن قطر تقاوم هذه المطالبات في الولايات المتحدة. حيث ردت شبكة الجزيرة في بيان وجهته لصحيفة واشنطن ايغزامينز، ورد فيه أن الجزيرة ليست مملوكة لقطر وأن تقاريرها غير موجهة أو خاضعة لسيطرة الحكومة القطرية ولا تعكس أي وجهة نظر حكومية. وبالتالي، فإن تسجيل FARA لا ينطبق على الجزيرة.
المراجع
[1] وحدة FARA التابعة لقسم مكافحة التجسس ومراقبة الصادرات (CES) في قسم الأمن القومي (NSD) هي المسؤولة عن إدارة وإنفاذ قانون FARA.
[2] ” FOREIGN AGENTS REGISTRATION ACT, U.S. Department of Justice:
https://www.justice.gov/nsd-fara
[3] ibid.
[4] تم الاعتماد علي نص الخطاب الموجه الي النائب العام من الكونجرس الأمريكي
The Honorable William Barr Attorney General United States Department of Justice Washington, D.C. 20220: