تعد الأزمة الليبية من الأزمات ذات الطبيعة الممتدة وأكثرها تعقيدا نتيجة المراحل التي مرت بها عقب سقوط القذافي في 2011، وفشل كافة الحلول السياسية من المجلس الانتقالي إلي تولي أمور البلاد في 2012، والمؤتمر الوطني وفشل انتخابات 2014 بسبب انقلاب الإخوان المسلمين في الغرب بعد نتائج الانتخابات وصعود التيار الليبيرالي، وفشل تطبيق اتفاق الصخيرات 2015، وتصاعد العمليات العسكرية بداية من معارك الكرامة 2014 وصولا إلي عملية طرابلس 2019، ويرجع فشل الحل السياسي إلي سببين أساسين أولها فوضي وانتشار المليشيات المسلحة في الغرب الليبي، والسبب الأخر التدخل الخارجي الدولي والإقليمي بهدف فرض الهيمنة علي المواقع الاستراتيجية من جانب، والاستحواذ علي الثروات النفطية من جانب أخر.
ما هو المشهد الليبي الأن؟
تعيش ليبيا الأن تحت وطاه صراع الجيش الوطني الليبي والمليشيات المسلحة أي بين حكومتي الشرق والغرب، نتيجة فشل التوصل إلى حل سياسي بين الطرفين رغم التوصل إلى اتفاق الصخيرات 2015[1]، والذي دعا إلى خارطة طريق لإدارة المرحلة الانتقالية برعاية الأمم المتحدة، ويرجع فشل الاتفاق إلى عدد من الأسباب يمكن عرضها كالاتي:
- حالة الفراغ السياسي والمؤسسي نتيجة سرعة انهيار القذافي إثر تدخل الناتو في ليبيا عام 2011، والذي أدي بدوره إلى انتشار المليشيات المسلحة في ربوع ليبيا.
- الصراعات المذهبية والأيدلوجية بين التيارات الإسلامية في الغرب الليبي والليبرالية في الشرق، والتي لم ينجح أي منهم في السيطرة على مفاصل الدولة نتيجة عدم حصول أي منهم على الأغلبية التي تؤهله لقيادة زمام الأمور، علاوة على انهيار منظومة الأمن الداخلي الليبي والتي أدت إلى التدخل الخارجي من القوي الدولية والإقليمية بذريعة الحد من عمليات الهجرة الغير شرعية، وانتقال المقاتلين عبر ميادين القتال الصراع المختلفة وأهمها انتقال الميليشيات السورية برعاية تركية. حيث تضافرت كل هذه العوامل لتجعل ليبيا بؤرة جديدة لجذب التنظيمات الإرهابية.
- الانقسام السياسي إثر انتخابات 2014، والتي أدت نتائجها إلى صعود التيارات الليبرالية وانقلاب الإخوان المسلمين عليها في الغرب الليبي وعدم اعترافهم بنتيجة الانتخابات.[2]
- بروز الدور العسكري للمشير خليفة حفتر في الشرق الليبي وإعلانه حل المؤتمر الوطني وتجميد العمل بالدستور وتشكيل حكومة تصريف إعمال ولجنة للإشراف إلي الانتخابات، حيث أعلن مجلس النواب الليبي في طبرق اعترافه بالحكومة التي يقودها المشير خليفة حفتر في نوفمبر 2014، والاعتراف كذلك بعملية الكرامة ضد المليشيات الإرهابية، وعلي اثر هذه العملية تم تعيين خليفة حفتر قائدا عاما للجيش الليبي من قبل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، واستطاع القائد العام الجديد السيطرة علي الشرق الليبي وهلال النفط، والدخول إلي طرابلس خلال الفترة من 2014 إلي 2019.
من هم أطراف الصراع؟
تشكلت أطراف الصراع في المشهد الليبي بعد انقلاب الإخوان المسلمين على نتائج الانتخابات في 2014 في الغرب، حيث أصبح في ليبيا حكومتان؛ الأولى في طرابلس يؤيدها الإخوان والجماعات المتشددة المسلحة، والحكومة الثانية في طبرق، ويؤيدها الجيش الوطني الليبي. واستمرت المعارك بينهم خلال عامي 2014-2015 حتى توقيع اتفاق الصخيرات الذي نص على تكوين حكومة وفاق وطني تدير المرحلة الانتقالية لمدة ثمانية عشر شهراً، ومنح صلاحيات رئيس الحكومة لمجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني، ومن أهمها قيادة الجيش والقوات المسلحة، مع الاعتراف بمجلس النواب، وفي حال عدم انتهاء الحكومة من مهامها، يتم تمديد الفترة ستة أشهر إضافية، ونصّ الاتفاق أيضاً على تشكيل المجلس الأعلى للدولة من أعضاء المؤتمر الوطني العام الجديد، وتمّ تسليم المهام لحكومة الوفاق، في 1 إبريل 2016.
ووفقا لنص الاتفاق كان من المفترض أن تنتهي الفترة الانتقالية لحكومة الوفاق حكومة فايز السراج، في أكتوبر 2017، ومع التمديد ستة أشهر، يكون انتهاء المرحلة الانتقالية أبريل 2018، وكان يفترض على حكومة الوفاق أن تقوم بسنّ قوانين تقلّص وجود الجماعات المتطرفة، إلا أنها عمدت على المراوغة وعدم تقليص الدعم والوجود للميليشيات المتطرفة، كما أخفقت حكومة الوفاق في ضبط مقاليد السلطة السياسية والإحكام على منظومة الأمن، بالرغم من وجود قاسم مشترك بين مليشيات الغرب الليبي في مناهضة الجيش الليبي بقيادة حفتر، إلا أن التباعد الجغرافي حال دون نجاح حكومة الوفاق في السيطرة عليها، بالإضافة إلى خوض تلك المليشيات اشتباكات سابقة مع حكومة الوفاق غير الراضية عن سلوكها السياسي في إيجاد حلول للأزمات الأمنية والاقتصادية التي تعصف بالعاصمة طرابلس، ما دفع بعض المليشيات إلى التسلط على عمل مؤسسات الدولة والتحكم بمواردها، الأمر الذي أكد للمشير حفتر أنّ حكومة السراج لن تقوض سلطة الجماعات المسلحة بل ستظل داعم قوي وحليف لها.
ويمكن توضيح الأطراف المتنازعة في ليبيا كالتالي:
أولا قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وتسيطر هذه القوات على مناطق الهلال النفطي علي ساحل المتوسط وعلي اغلب مناطق الشرق الليبي وأجزاء واسعة من الجنوب بعد تأييد بعض القبائل للجيش الليبي. وبذلك يسيطر الجيش الليبي علي اهم المواقع الاستراتيجية الليبية حيث من يسيطر على الساحل يمكنه التأثير في حوض البحر المتوسط نتيجة ضيق البحر المتوسط في منتصفه لوجود جزيرة صقلية مالطة وهو ما يعرف بمضيق بانتلاريا، كما من يتحكم في الساحل يؤثر على مدخلي بحر ايجه وبحر الأدرياتيك.
ثانيا قوات حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج والتي تسيطر على الغرب الليبي مثل مدينة طرابلس التي لها أهمية استراتيجية كبري لدي الغرب خاصة الولايات المتحدة وحلف الناتو لقربها من القاعدة الجوية الأمريكية الملاحية التي تستعين بها الولايات المتحدة لتحقيق العمق الجانبي والخلفي للناتو والاستفادة منها أيضا لإمكانية الهجوم علي القواعد الروسية في شرق المتوسط، إضافة إلي مدينة ترهونة وحدود مدينة سرت حتى كتابة هذه التحليل، وتتكون قوات الوفاق من عدد من المليشيات المسلحة المدعومة من قطر وتركيا إضافة إلي عدد من المرتزقة الذين نقلتهم تركيا إلي الميدان الليبي ومن هذه المليشيات:
- قوة حماية طرابلس: وهي مجموعة من الكتائب والمليشيات المتحالفة الموالية لحكومة الوفاق، من بينها قوات ثوار طرابلس وقوات الردع وكتيبة أبو سليم وكتيبة النواصي تنتشر في شرق العاصمة طرابلس وجنوبها وتقوم بدور ومهام الشرطة وتأمين الحماية.
- كتائب مصراته: مجموعة من التنظيمات المسلحة من القبائل الليبية تتحالف مع كتائب إسلامية موالية لحكومة الوفاق، ومعادية لقوات الجيش الليبي، لها ثقل كبير كونها تمكنت من القضاء على تنظيم الدولة داعش في 2016، وتعد مصراته مفتاح العاصمة الليبية كونها تتوسط الطريق بين مدينة سرت وطرابلس.
- قوات فجر ليبيا: تضم عدداً من مليشيات تتبنى التيار الإسلامي، وهي موالية لحكومة الوفاق، وتعد ذراعه الرئيسية، إلى جانب قوات البنيان المرصوص، وتسيطر على مساحة واسعة من العاصمة الليبية طرابلس.
- فصائل الزنتان: تعارض هذه الفصائل التيارات الإسلامية، ويبقي عدد منها على صلات مع حكومة الوفاق الوطني و”الجيش الوطني الليبي” في الوقت نفسه. وتسيطر هذه الفصائل على حقول النفط في غرب البلاد. وعينت حكومة الوفاق أخيرا ضابطا من الزنتان قائدا عسكريا على المنطقة الغربية.
- قوات بركان الغضب: وهي قوات تتكون من المليشيات السابقة تم شرائهم وتقنين وضعهم وصرف رواتب لهم من قبل فايز السراج، وتم مأسسة وضعهم وخرج منه جهاز الحرس الرئاسي وهو ما يدل على أن مليشيات الغرب دائما في تحالفات متغيرة بشكل مستمر.[3]
من هي القوي الدولية المتنافسة في ليبيا؟
التنافس الفرنسي الإيطالي
زادت فرنسا من حضورها في الداخل الليبي مع الإعلان عن المجلس الوطني الانتقالي 2012، حيث عملت علي زيادة نفوذها في الجنوب الليبي حفاظا علي مصالها الاقتصادية والاستثمارية في دول جنوب ليبيا، كما تبنت سياسات أمنية وعسكرية للحفاظ علي مصالحها الحيوية من مخاطر السواحل الأفريقية، حيث دعمت عملية الكرامة بقيادة حفتر 2014، بعدما نجح في إبعاد التنظيمات والجماعات المسلحة عن المنشآت النفطية.[4] الأمر الذي أثار حفيظة إيطاليا التي تعتبر ليبيا البوابة الخلفية لها، إضافة إلي كونها مستعمرة إيطالية في السابق، عمدت إيطاليا علي التصعيد السياسي والدبلوماسي ضد فرنسا ووجهت لها الاتهامات بتأجيج الصراع الليبي، واتهمت إيطاليا فرنسا علي لسان نائب رئيس الوزراء السابق ماتيو سالفيني، بالقيام بدور تخريبي بهدف الاستيلاء علي الثروات الليبية.[5]
وبمجيء إيمانويل ماكرون علي راس السلطة في فرنسا، زاد الاهتمام الفرنسي بالشأن الليبي، حيث أجريت عدة اجتماعات بهدف الحل السياسي تحت رعاية فرنسا، كان أخرها اجتماع مايو 2018، بحضور كل أطراف الصراع إلي جانب ممثلين من عشرين دولة من بينهم (تونس-مصر-الجزائر-قطر-الإمارات-المملكة العربية السعودية – تركيا)، وهدفت المبادرة إلي إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية نهاية عام 2018، بإشراف المفوضية العليا للانتخابات وحكومة الوفاق الوطني، ولم يكتب لهذه المبادرة النجاح بسبب التحركات الإيطالية التي نجحت في تعطيل المبادرة الفرنسية من داخل الاتحاد الأوربي، وطالبت طرفي الصراع المثول لمبادرة المبعوث الأممي غسان سلامة التي أعلن عنها في 20 سبتمبر 2017.
الامر الذي يعني بان إيطاليا قد استشعرت بالحظر الفرنسي في ليبيا، خاصة وانها تسعي للحفاظ علي نفوذها بها لأسباب تاريخية واقتصادية، يأتي في مقدمتها حقوق التنقيب لشركة أيني للطاقة، وقد بررت إيطاليا تحركها بدافع الحد من أخطار الهجرة غير الشرعية وضبط الحدود، والحد من نشاط الهجرة غير المشروعة وعمليات التهريب، باعتبار أن حكومة الوفاق غير قادرة على تنفيذ هذه الإجراءات، ومراقبة حدود يقع أغلبها في الصحراء بطول 4400 كم، كذلك تولي إيطاليا اهتماما بالمنطقة الجنوبية الغربية من ليبيا ذات الإمكانات الهائلة في إنتاج النفط الخام، بالإضافة إلى احتوائها على مخزون احتياطي من الغاز الطبيعي يُصدّر معظمه إليها، عبر أنبوب السيل الأخضر الذي يمر تحت الماء إلى صقيلة، لذا فإن أي تقدم لحفتر المدعوم فرنسياً يعني الاقتراب والحد من منطقة نفوذ حيوية لها.
وتعمل إيطاليا حاليا على الحد من النفوذ الفرنسي باتباع استراتيجية جديدة مفادها الانفتاح على كل الأطراف داخل ليبيا، بين القوى السياسية والعسكرية في شرق وغرب البلاد، لا سيما بعدما خسرت حضورها الفاعل في منطقة الهلال النفطي على وقع تقدم قوات حفتر. كما عملت فرنسا على وضع ثقلها السياسي والعسكري في دعم حفتر، للتقدم نحو الغرب الليبي، لرفع زيادة التأثير في المعادلة الدولية للبوابة الإفريقية، وذلك بعدما استشعرت تقليص نفوذها في منطقة مستعمرتها التاريخية في الجزائر، ولعل الحضور والدعم الفرنسي الواضح لحفتر، يدخل ضمن خيارات فرنسا في ضرورة البحث عن بدائل خارج مناطق نفوذها الرئيسية الجزائرية.
التنافس الروسي الأمريكي
في البداية لم تبدي الولايات المتحدة اهتماما كبيرا للوضع الليبي بداية من التدخل لمساندة الذين خرجوا ضد ضد القذافي في 2011، بل تركت الأمر للناتو. ومع مجيء دونالد ترامب للسلطة الأمريكية استمر المسار بعدم بروز الاهتمام بالملف الليبي وهو ما عبر عنه ترامب في أبريل 2017، بأنه لا يرى دورًا للولايات المتحدة في ليبيا، وأنها تقوم حاليًّا بالعديد من الأدوار “بما فيه الكفاية”، في أماكن مختلفة من العالم. إلا أن الوضع اختلف بداية من أبريل 2019، ويرجع ذلك إلى سببين الأول توجه حفتر نحو طرابلس التي تمتلك ميزة نسبية للولايات المتحدة كما ذكرنا، أما السبب الأخر، تصاعد الخلاف بين موسكو وواشنطن حول ليبيا في مجلس الأمن وإحباط موسكو لمشروع قرار لمجلس الأمن ينص علي وقف القتال وطالبت بإجراء تعديلات على البيان بصيغته النهائية واعترضت واشنطن على المقترح الروسي.[6]
وبرز الاهتمام الأمريكي بالملف الليبي جراء إجراء دونالد ترامب مكالمة مع خليفة حفتر، اثني فيها على دور حفتر في مكافحة الإرهاب ودعا إلي وقف إطلاق النار والعودة إلي طاولة المفاوضات، ويرجع الدافع الرئيسي لزيادة الاهتمام الأمريكي بليبيا بأنه يأتي في مقابل تزايد الوزن النسبي الروسي في الأزمة الليبية، وتمدد نفوذ موسكو في شرق المتوسط وشمال إفريقيا، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة تهديدًا جديدًا لنفوذ “الناتو” في هذه المنطقة، وهو ما يفسر مبادرة الولايات المتحدة هذا الأسبوع لدعوة أعضاء الناتو المنخرطين في ملف الأزمة الليبية إلى اجتماع عبر الفيديو كونفرانس، نتيجة التوجس الأمريكي الشديد من أي تحرك روسي في هذه المنطقة، أو محاولة ملء الفراغ الذي يترتب على توجه الإدارة الأمريكية للانسحاب من قضاياها. [7]
ويمكن تفسير زيادة معدل الانخراط الأخير لروسيا في الأزمة الليبية من خلال الزيارات المتعددة التي قام بها خليفة حفتر لموسكو خلال الفترة ما بين 2016- 2018، حيث طالب من الرئيس فلاديمير بوتين دعمه بالعتاد العسكري واللوجستي، ولم تلبي موسكو طلبه إلا بعد موافقة حفتر على إعطاء موسكو قاعدة عسكرية لـ 90 عام في جنوب ليبيا تبعد 300 كم عن حدود مصر[8]، على إثر ذلك قدمت موسكو الدعم العسكري واللوجستي لحفتر، ما أثار حفيظة واشنطن، فردت على موسكو بدعم قوات البنيات المرصوص، وقوات فجر ليبيا، وأرسلت جنرالات من الجيش الأمريكي إلى مصراته لتقديم الدعم اللوجستي والاستشاري للقوات الموالية لحكومة الوفاق. كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن عودة القوات الأمريكية إلى قاعدة أفريكوم، جاء ذلك بعد البيان الصادر عن قيادة الجيش الأمريكي في إفريقيا الذي اتّهم روسيا بتأجيج الصراع في ليبيا، واعتبر ذلك تهديدًا للأمن الإقليمي. كما أُعلن في 27 مايو أن روسيا سلمت طائرة “ميج 29″ و”سوخوي 27” للجيش الوطني الليبي، تمركزت في قاعدة “الجفرة”. وقد ذهب مدير استخبارات القيادة الأمريكية في إفريقيا إلى أن تسليم هذه الطائرات قد يغير من معادلة التوزان العسكري في ليبيا بصورة كبيرة، وسيوفر مرتكزًا استراتيجيًّا لروسيا في شمال إفريقيا.
ما هو الدور التركي الحالي في ليبيا؟
يأتي الانخراط التركي الحالي استنادا على الاتفاقيتين التي وقعتها كل من حكومة الوفاق الليبية وتركيا إحداهما حول التعاون الأمني وأخرى في المجال البحري[9]، ودعمت تركيا مليشيات الوفاق بشكل مباشر بالسلاح والمعدات والإرهابيين الذين نقلوا من سوريا إلي ليبيا، الأمر الذي اثر علي شكل العمليات في الغرب حيث استعادت قوات الوفاق السيطرة بالكامل علي طرابلس إضافة إلي مدينة ترهونة، والاتجاه شرقا إلي مدينة سيرت التي تدور المعارك حولها الأن، الأمر الذي ردت عليه مصر بإعلان مبادرة جديدة لحل الأزمة الليبية عرفت باسم إعلان القاهرة.
ما هي مبادرة إعلان القاهرة وما هي سبل تحقيقها؟
أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبادرة مصرية لحل الأزمة الليبية بحضور المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي والمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وتضمن نص المبادرة وفقا لإعلانها على ما يلي[10]:
- التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبناء علية التزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار اعتبارا من سعت 600يوم 8/ 6 .
- ارتكاز المبادرة بالأساس على مخرجات قمة برلين والتي نتج عنها حلا سياسيا شاملا يتضمن خطوات تنفيذية واضحة المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية واحترام حقوق الإنسان وقانون الإنسان الدولي استثمارا لما انبثق عن مؤتمر برلين من توافقات بين زعماء الدول المعنية بالأزمة الليبية.
- استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية 5+5 بجنيف برعاية الأمم المتحدة وبما يترتب عليه إنجاح باقي المسارات أخذا في الاعتبار أهمية قيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الجانب من كافة الأراضي الليبية وتفكيك المليشيات وتسليم أسلحتها حتى تتمكن القوات المساحة الجيش الوطني الليبي بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بمسئولياتها بمهامها العسكرية والأمنية في البلاد.
- العمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية مع تحديد الآلية الوطنية الليبية الملائمة لإحياء المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة واستثمارا لجهود المجتمع الدولي لحل الأزمة الليبية.
- إعادة سيطرة الدولة على كافة المؤسسات الأمنية ودعم المؤسسة العسكرية (الجيش الوطني الليبي)؛ مع تحمل الجيش الوطني بمسئولياته في مكافحة الإرهاب وتأكيد دورة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والشرطية لحماية السيادة الليبية واسترداد ألامن في المجال البحري الجوي والبري.
- يقوم المجلس الرئاسي باتخاذ قراراته بالأغلبية، عدا القرارات السيادية المتعلقة بالقوات المسلحة فيتم اتخاذ قراراته بالأغلبية عدا القرارات أو البت في المقترحات التي يقدمها القائد العام للقوات المسلحة في هذه الحالة بالإجماع وبحضور القائد العام للقوات المسلحة.
المحاور الأساسية للمبادرة:
- قيام كل إقليم الـ3 (المنطقة الشرقية – المنطقة الغربية- المنطقة الجنوبية) بتشكيل مجمع انتخابي يتم اختيار أعضائه من مجلسي النواب والدولية الممثلين لكل إقليم بجانب شيوخ القبائل والأعيان ومراجعات نسبة تمثيل مقبولة للمرأة والشباب؛ إضافة إلى النخب السياسية من المثقفين والنقابات بحيث تجتمع اللجان الـ3 تحت رعاية الأمم المتحدة به سواء بالتوافق أو الانتخاب وذلك في مدة لا تتجاوز 90 يوما.
- قيام كل إقليم باختيار ممثلة للمجلس الرئاسي كذا نائب لرئيس الوزراء من ذوي الكفاءة والوطنية بهدف تشكيل مجلس رئاسة من رئيس ونائبين، ومن ثم قيام المجلس الرئاسي بتسمية رئيس الوزراء والذي يقوم بدورة هو ونائبيه بتشكيل حكومة وعرضها على المجلس الرئاسي ، تمهيدا لإحالتها لمجلس النواب لمنحها الثقة.
- قيام الأمم المتحدة بالإشراف على المجتمعات الانتخابية بشكل عام لضمان نزاهة سير العملية الخاصة باختيار المرشحين للمجلس الرئاسي.
- حصول كل إقليم على عدد متناسب من الحقائب الوزارية طبقا لعدد السكان عقب التوافق على أعضاء المجلس الرئاسي الجديد وتسمية رئيس الحكومة على ألا يجمع أي إقليم أكثر من رئاسة للسلطات الثلاث (المجلس الرئاسي – مجلس النواب- مجلس الوزراء) بحيث يحصل إقليم طرابلس على 9 وزارات وإقليم برقة على 7 وزارات كذا إقليم فزان على 5 وزارات على أن يتم تقسيم الـ6 وزارات السيادية على الأقاليم الثلاث بشكل متساو (وزارتين لكل إقليم)، مع تعيين نائبين لكل وزير من الإقليمين الآخرين.
- اضطلاع مجلس النواب الليبيي باعتماد تعديلات الإعلان الدستوري من خلال لجنة قانونية يتم تشكيلها من قبل رئيس المجلس المستشار عقيلة صالح، وذلك عقب قيام اللجنة ( تضم ممثلين أعضاء مجلسي النواب والدولة) بالاتفاق على النقاط الواجب تعديلها في الإعلان الدستوري مدة لا تتجاوز 30 يوما بدء من تاريخ انعقاد أول جلسة.
- قيام المجمع الانتخابي لكل إقليم تحت إشراف الأمم المتحدة بتشكيل لجنة من شخصيات وطنية وخبراء دستوريين ومثقفين من ذوي الكفاءة واعتمادها من قبل البرلمان الليبي لصياغة دستور جديد للبلاد يحدد شكل إدارة الدولة الليبية وطرحة للاستفتاء الشعبي لإقراره (على أن تنتهي من أعمالها خلال 90 يوم من تاريخ تشكيلها).
- تحديد المدة الزمنية للفترة الانتقالي بـ18 شهرا قابلة للزيادة بحد أقصى 6 أشهر، يتم خلالها إعادة تنظيم كافة مؤسسات الدولة الليبية خاصة المؤسسات الاقتصادية الرئيسية (المصرف المركزي-المؤسسة الوطنية للنفط -المؤسسة الليبية للاستثمار) وإعادة تشكيل مجالس إدارة المؤسسات الأخيرة بما يضمن فعالية أداء الحكومة الجديدة وتوفير الموارد اللازمة لإدارة المرحلة الانتقالية انتهاء بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية.
- اتخاذ الإجراءات التنفيذية اللازمة لتوحيد كافة المؤسسات الاقتصادية والنقدية في شرق وجنوب وغرب ليبيا وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والنقدية في شرق وجنوب وغرب ليبيا وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية، إلى جانب منع وصول الأموال الليبية إلى أي من المليشيات، كذا العمل على ضمان توزيع عادل وشفاف للموارد الليبية لكافة المواطنين.
وبمضي المدة التي حددتها المبادرة لم يتوقف إطلاق النار، ولكن هذا لا يعني فشل المبادرة، بل حازت المبادرة بتايد دولي عالي المستوي من قوي دولية وإقليمه وعارضتها فقط تركيا وحكومة الوفاق، كما يمكن تفسير هدف وقف إطلاق النار بتوقيت محدد بأنه أولا رسالة شديدة اللهجة من القاهرة إلى إسطنبول بان التحركات التركية سوف تواجه حال مساسها بالأمن القومي المصري أو تهديد مصالحه، الأمر الثاني حث المجتمع الدولي أن مبادرة القاهرة هي مبادرة تهدف إلى السلام والحفاظ على أرواح المدنيين.
كيف يمكن تفعيل مبادرة إعلان القاهرة؟
تحتاج مبادرة القاهرة إلى عدد من السياسات والأليات لتفعيلها، وضغط دولي علي حكومة الوفاق للقبول بها ومن اجل كذلك لابد من القيام بما يلي:
- الدعوة لاجتماع عاجل يضم كل الدول المؤيدة للمبادرة، إضافة إلى دعوة ممثلين عن الأمم المتحدة ومبعوثيها لليبيا، للتباحث حول حل للازمة الليبية وكيف يمكن لكل دولة ومبعوثي الأمم المتحدة تقديم الدعم للمبادرة.
- تنشيط دور مركز تسوية المنازعات وبناء السلام التابع لوزارة الخارجية، وإمكانية قيامه بأنشطة تدريبية أو ورش عمل حول عمليات نزع السلاح من المقالتين في ليبيا.
- تفعيل دور مركز مكافحة الإرهاب التابع لمجموعة الساحل والصحراء، ووضع خطة عمل واضحة لتنسيق جهود الدول الأعضاء في قضايا مثل مكافحة تمويل الإرهاب، وتتبع مسارات انتقال الإرهابيين.
- تعميق التواصل والتعاون بين المراكز البحثية والتدريبية ومراكز الفكر في مصر مع الدول الأخرى بما يضمن توصيل الرسائل وإيضاح المواقف المصرية والروي المصرية للازمة الليبية عبر هذه المنصات، لما لها من دور في توجيه وصنع القرار.
- تنشيط وإعادة هيكلة مجلس تنسيق أعمال مصري عربي بحيث يضم في عضويته بعض رجال الأعمال من المصريين والعرب وممثلين عن وزارات الصناعة والتجارة والغرف التجارية، وذلك بهدف دراسة إمكانية القيام بمشروعات مشتركة حول إعادة إعمار ليبيا.
المراجع
[1] ” بعد إسقاطه.. ما هو اتفاق الصخيرات؟”، الوطن، 27 ابريل 2020:
https://www.elwatannews.com/news/details/4720128
[2] ” ليبيا: إعلان نتائج الانتخابات. وخسارة فادحة للإخوان”، العربية نت، 21 يوليو 2014:
[3] مقابلة أجراها الباحث مع الدكتور زياد عقل خبير الشأن الليبي بمركز الاهرام.
[4] ” قوات المشير حفتر تبدأ عملية عسكرية “لتطهير” جنوب ليبيا من الجماعات المسلحة”، فراس 24، 18 يناير 2019:
[5] ” Italy’s Salvini says France has no interest in stabilizing Libya”, EurasiaDiary, 22 January 2019:
[6] ” خلاف أمريكي روسي حول تصعيد “حفتر” وسط رفض دولي متزايد.. وموسكو تحبط بيانا لمجلس الأمن قبل ساعات واصرار على تعديل صيغة البيان لتصبح دعوة كل الأطراف الليبية المسلحة إلى وقف القتال”، الراي اليوم، 8 ابريل 2019:
[7] ” هل دخلت ليبيا مرحلة التنافس الأمريكي الروسي؟”، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 4 يونيو 2020:
https://www.ecsstudies.com/9516/
[8] ” الدور العسكري الروسي في ليبيا. . ملف غامض”، بوابو افريقيا، 10 أكتوبر 2018:
[9] ” الاتفاق التركي-الليبي.. لماذا تناوش أنقرة القاهرة وحلفائها؟”، دوتش فيلا، 29 نوفمبر 2019:
[10] ” ننشر نص “إعلان القاهرة” بشأن مبادرة حل الأزمة الليبية”، مصراوي، 06 يونيو 2020: