تناول المؤلف كمال ديب في كتابه المعنون بــ“لعنة قايين.. حروب الغاز من روسيا وقطر إلى سوريا ولبنان” تفكيكاً غاية في الأهمية فيما يخص ملف الغاز الطبيعي، من حيث موقعه في سياسات الشرق الأوسط والصراع عليه ودوره في تفاعلات الإقليم، بالإضافة إلى قيامه بوضع تعريف مفيد لغير المتخصصين للغاز الطبيعي.
يعتبر الغاز الطبيعي أحد مصادر الطاقة البديلة عن النفط، وهو من المحروقات العالية الكفاءة والأقل كلفة، كما أنه قليل الانبعاثات الملوثة للبيئة. وهو مورد طاقة أولية هامة جداً للصناعات الكيماوية. وكان له استخدامات منذ الحضارات القديمة، حيث استعمله قدماء الصينيين لاستخراج الملح من البحر، واستعملة البريطانيين لإنارة الشوارع منذ عام 1785 .
كيف يتكون الغاز الطبيعي؟
منذ ملايين السنين تحللت بقايا النباتات والحيوانا وشكلت طبقات كربونية سميكة في باطن الأرض، وتسمى بالمواد العضوية، وبمرور الزمن تحول الطين والتربة إلى صخور غطت هذه المواد العضوية وحصرتها تحت طبقات صخرية. وتسبب الضغط والحرارة بتحويل بعض المواد العضوية إلى فحم حجري، وبعضها الآخر إلى نفط أو إلى غاز طبيعي، وهو فقاعات صغيرة عديمة الرائحة. ويعد الميثان المكون الأساسي للغاز الطبيعي، وهو عبارة عن مُركب يتكون من ذرة كربون وأربع ذرات هيدروجين.وعبر آلاف السنين تسبب الضغط والحرارة الناتجان من الطبقات الرسوبية بتحويل المواد العضوية إلى غاز طبيعي.
بعد التكون التدريجي في القشرة الأرضية من آلاف السنين وخصوصاً بعد انتهاء الحقبة الجليدية، تسرب الغاز الطبيعي والبترول ببطء إلى جيوب حفرية صغيرة في الصخور المسامية القريبة من السطح والتي تعمل مستودعات طبيعية لحفظ الخام. ولأن هذه الصخور تكون عادة مملوءة بالمياه، فإن البترول والغاز الطبيعي – وهما أخف من الماء وأقل كثافة من الصخور المحيطة- تجمعا فوق كتلة الماء، فُحبست هذه الموارد في طبقة لا مسامية لا ينفذ منها الماء، ويتُعرف بصخور الغطاء. ولأن الغاز الطبيعي أخف من البترول فقد أصبح طبقة فوق البترول عندما يوجدان معاً تسمى (غطاء الغازGas Cap)، ولابد أن توجد مع البترول مادة (الغاز المصاحب Associated Gas ) مهما تضاءلت كميته.
ما هو الغاز المسيل؟
الغاز المسيل Liquefied Natural Gas أو LNG هو غاز طبيعي تمت معالجته وإسالته بالتبريد، ويُستخرج من حقول النفط والغاز، ثم ينقل عبر أنابيب خاصة إلى منشأة المعالجة حيث تتم عمليات معالجة إضافية من تبريد وإسالة تحت ظروف حرارية معنية.
الغاز المسيل عديم اللون والرائحة وغير مسبب للتأكل وغير سام ويتم تخزينه ونقله في ضغط جوي يتوافق مع درجة غليانه، ما يعني أن درجة حراراته تبقى ثابته طالما تمت المحافظة عليه تحت ضغط ثابت.
ولأن الغاز الطبيعي عديم اللون والرائحة والطعم، يُضاف إليه مُركب كيميائي يُطلق عليه إسم (مركابتن) الذي يشبه رائحة الكبريت، قبل عملية توزيعه للمستهلكين وذلك لإعطائه راسحة مميزة غير محببه تشبه رائحة البيض الفاسد كعنصر أمان بالتعرف إليه في الهواء في حالة حدوث تسرب.
كيف يتم استخراج ونقل الغاز الطبيعي؟
يُستخرج الغاز الطبيعي من آبار شبيهة بآبار النفط. ويتم نقله بالأنابيب من منصات إنتاج مشاطئة إلى نقطة تجميع ومنها إلى معمل تكرير حيث يُنقى على مراحل.
في مرحلة التنقية الأولى يزال الماء وأى سوائل أخرى بتقنية الجاذبية. فيمر الغاز المستخرج من الأرض عبر أنابيب تنقله إلى مركز المعاجلة. التي تبدأ بإزالة المواد غير اللازمة أو التي قد تشكل ضرراً مثل الماء والزيوت النفطية والغازات والمواد الهيدروكربونية المتكثفة وغاز ثاني أكسيد الكربون. وكل هذه المواد تتجمد وتصبح مواد صلبة قبل أن يصل الغاز إلى درجة التسييل. ويُزال كذلك غاز كبريت الهيدروجين المحظور دولياً ، كما يزال الزئبق السام لأنه يتسبب بتآكل الأواني وانهيارها ويذبذب أنابيب الغاز المصنوعة من الألمونيوم.
في المرحلة الثانية يمر الغاز الجاف عبر جهاز مبرد حيث يبقى منه بروباين سائل ويُجمع. وفي هذه المرحلة تبدأ عملية التبريد وهي الأهم، حيث يتم تبريد الغاز بمبردات غازية مستخلصة من الغاز الطبيعي نفسه، وهي خليط من غاز الميثان والبروباين. وتُفصل بعض الغازات المكونة للغاز الطبيعي وفقاً لدرجة غليانها، مثل الميثان والإيثان والبروباين والبيوتان والبنتان. وغازات البنتان وما فوقه تُعتبر غازات ثقيلة يجب فصلها كي لا تتسبب بتجمد الأجهزة وانسدادها. وفي هذه المرحلة يصبح الغاز الطبيعي المضغوط بارداً في درجة حرارة أدنى من 150 درجة مئوية تحت الصفر. ويصل إلى حالة الإسالة الطبيعية في إناء التبخير النهائي عند 161.5 درجة تحت الصفر ويُضخ إلى خزانات تبريد ذات عزل حراري عالي الكفاءة يم يُنقل إلى حاويات النقل وهي سفن بحرية مُعدة خصيصاً لنقل الغاز.
بالنسبة إلى الدول التي تستهلك الغاز في أسواقها الممحلية، يتم نقل الغاز بدون تسييل عبر خطوط أنابيب وهو الأصلح فنياً واقتصادياً، وهو الخيار المستخدم لدى العديد من الدول. إلا أن الخيار الثاني إذا كانت دولة الإنتاج تبتعد مسافة كبيرة عن دولة الاستخدام فإن النقل للأسواق التي تقع على بعد آلاف الكيلومترات يتم عن طريق الأنابيب وصهاريح الناقلات البحرية، ولكن في هذه الحالة يتوجب إسالة الغاز أولاً. وعند وصوله إلى ساحل البلد المستورد تتم إعادته إلى حالته الغازية من خلال إعادة تسخين الغاز الطبيعي المسال حتى يعود إلى حالته الغازية ويتم التسليم.
ما هي المنتجات المشتقة من الغاز؟
عند استخراج الغاز الطبيعي فإنه يكون عبارة عن مزيج من عدد من المركبات الطبيعية التي عادة ما تكون بكميات قليلة، وخلال عملية التسييل، يتم فصل المكونات غير الغازية. وإذا كانت كمية الغاز المستخرج هائلة، ترتفع كمية المنتجات الثانوية وتصبح ذات قيمة تجارية أيضاَ، فتعالج وتُشحن إلى أسواق مختلفة. وتشمل هذه المنتجات الثانوية الكبريت والهيليوم.
تطلق تسمية الغاز الطبيعي على ذلك المزيج من الغازات الهيدروكربونية وهي ثلاثة أنواع:
- الميثان ويشكل النسبة الكبرى من الغاز الطبيعي، حيث تصل نسبته إلى مئة بالمئة في بعض الأحيان. وقد تكون أقل من ذلك حيث تصل في حدودها الدنيا إلى سبعين بالمئة. وفي عام 1925 تمكنت الولايات المتحدة من تحويل الميثان إلى هيدروجين فدخل في صناعة نحو 50% من ذخيرة الجيش الأمريكي التي تم صناعتها من الهيدروجين المستمد من غاز الميثان.
- الإيثان، الذي تتراوح نسبة وجوده في الغاز الطبيعي من واحد بالمئة إلى عشرة بالمئة.
- غاز البروبان، ويشكل نسبة ضئيلة من إجمالي الغاز الطبيعي، رغم أن الغاز الطبيعي يتكون أساساً من غاز الميثان CH4 لكنه يحتوى أيضاَ على مواد هيدركربونية أخرى مثل الإيثان والبيوتان والبروبان والنافتا والبنتان. وإذا كانت نسبة هذه المواد الأخرى عالية نسبياً في الغاز الطبيعي فهي تجعله مفيد في الصناعات البتروكيماوية.
كيف يتم تسعير الغاز الطبيعي؟
تعتمد التوقعات بشأن اتجاه أسعار الغاز الطبيعي بشكل كبير على متغيرات سوق النفط، وذلك لارتباط معظم عقود الغاز بالآليات المعتمدة لتسعير النفط. ولذلك فإن أى انخفاض في أسعار النفط يؤثر سلباً في منتجي الغاز الصخري لمصلحة مصدري الغاز المسيل والجاف. ومن العوامل المؤثرة أيضاَ في الطلب على الغاز، منافسة الفحم الحجري فيما يخص إنتاج الكهرباء لأن تكاليف إنتاج الفحم أقل.
لقد كان صعباً في الماضي ربط أسعار الغاز بالنفط، لأن النفط كان ينقل بالناقلات البحرية العملاقة إلى كل بقعة في العالم، بينما الغاز الطبيعي كان يُنقل عبر أنابيب بين الدول وحسب. ولكن مع ازدهار صناعة الغاز المسيل وتجارته، أصبح الغاز كالنفط تماماً ينقل إلى كل مكان في العالم. ولذلك أصبح من الأجدى أن يُربط مباشرة بالنفط على أساس مشترك هو تسعير كل مليون وحدة حرارية لكل منهما.
لا توجد طريقة واحدة لتسعير الغاز الطبيعي في العالم، كما لا يوجد سوق واحدة لتجارة الغاز، بل ثمة أساليب للتسعير وعدة اسواق للعرض والطلب، حسب المنطقة الجغرافية وبلد المنشأ:
- الطريقة الأولى للتسعير، في اليابان، حيث الطريقة الوحيدة لنقل الغاز المنتج إلى اليابان هي تسييله ونقله بالناقلات البحرية، وفي حالة اليابان ارتبط سعر الغاز ارتباطاً وثيقاً بأسعار النفط العالمية. مثلاً كل برميل نفط يحتوى على نحو 5.8 ملايين وحدة اشتعال، فإذا كان سعر برميل النفط مثلاً 100 دولار يكون سعر مليون وحدة اشتعال من النفط هو نحو 17 دولار. وهذا التسعير يحدد معدلات أسعار الغاز المسيل، فتتراوح عندئذ بين 12 و 18 دولاراً. (حسابات 2014)
- الطريقة الثانية للتسعير، في أمريكا، حيث يُستخرج الغاز الطبيعي ويباع وفق تسعير مركز “هنري هوب” لتجارة الغاز والقائم على اساس العرض والطلب، فمثلاً إذا كان معدل سعر الغاز هو 12 دولار للمليون وحدة حرارية، ثم وقعت حادثة وتعطل بعض خطوط الإنتاج فإن السعر سيرتفع إلى 13 أو 14 دولار، وكذلك اذا ارتفعت الكميات المعروضة من الغاز وهبط الطلب، سيتدهور السعر دون 12 دولار، وهذا ما حدث في ربيع 2013، عندما هبط سعر الغاز في أمريكا إلى 4 دولارات.
- الطريقة الثالثة في أوروبا، حيث يتم تحديد سعر الغاز وفق معادلة تجمع بين اسعار الغاز المسيل العالمية والأسعار الامريكية. ونظراً أن روسيا تحتكر جزء كبير من الغاز عبر أوروبا من خلال شركة غاز بروم، فإن سعر الغاز الروسي عبر الانابيب هو أرخص 20:40 % . ورغم ذلك تستورد أوروبا الغاز المسيل أيضاَ بالناقلات البحرية لتنويع المصادر وعدم منح روسيا صك احتكار.
ورغم اختلاف أنماط تسعير الغاز، يبقى العامل الأكبر والأكثر عقلانية اقتصادية هو ربط سعر الغاز بسعر النفط Relative Price لأن اسعار النفط العالمية موحدة تعكس قيمة موارد الطاقة في كل زمان ومكان.
ولعدة عقود بقيت كلفة نقل الغاز أكبر من كلفة نقل النفط، فالأنبوب بقطر 610 ملم ينقل النف بكميات تفوق ثلاثة أضعاف الغاز الطبيعي، في حين أن الباخرة التي تنقل 25 ألف طن من النفط لا تستوعب أكثر من 10 آلاف طن من الغاز المسيل. ذلك أن الحجم الذي يأخذه سائل الميثان هو أكبر من حجم النفط. إلا أن الهوة في الكلفة تضائلت كثيراً بعدما كثرت منشآت الغاز ووسائل النقل عبر الأنابيب والبواخر وتطورت تقنيات الإنتاج بما يجعل الغاز أحد أهم أدوات المنافسة للسيطرة على منابعه، وقد يكون أحد أهم العوامل التي سوف تتسبب في صراعات المستقبل، كما كان النفط.