تشير تقديرات المسوح الجيولوجية الأمريكية إلى وجود حوالي 9800 مليار متر مكعب من موارد الغاز القابلة للاستخراج في المناطق غير المكتشفة بشرق المتوسط، وتشير الاكتشافات الحالية والمستقبلية إلي تحول صورة الطاقة في المنطقة مما يؤدي إلي خلق أنماط جديدة من الصراع والتعاون الذي قد يؤدي إلي ميلاد نظام إقليمي فرعي[1] جديد يعرف باسم الحدود النهائية للغاز في شرق المتوسط.
ماهي اكتشافات الغاز المصرية ؟
حققت مصر على مدار 6 أعوام الماضية، عددا من الاكتشافات الهائلة المتعلقة بقطاع البترول والغاز الطبيعي، حيث بلغت عدد الاكتشافات 239 كشف (167 زيت – 86 غاز)، خلال الفترة من عام 2013 وحتى 2019، أبرزهم حقل ظهر، وحقول شمال سيناء وحقول شمال إسكندرية، وحقل نورس، وحقول سلامة والقطامية الضحلة، والغاز بمنطقة غرب الدلتا. حيث أضافت هذه الاكتشافات احتياطيات كبيرة من الزيت والغاز لمصر، كما أعادت هذه الاكتشافات بدورها رسم خريطة الطاقة بالمنطقة وجعلتها جزءا من الخريطة العالمية[2].
فيما بلغ إجمالي الغاز المنتج من الحقول 2.51 تريليون قدم 3، والغاز المباع حوالي 2.33 تريليون قدم 3 بمتوسط 6391.5 مليون قدم 3 غاز/يوم، وذلك خلال العام 2018-2019[3]، كما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري في نشرته المعلوماتية الشهرية عن ارتفاع الإنتاج من البترول والغاز الطبيعي في ديسمبر 2019، إلى 7.17 مليون طن على الأساس السنوي مقارنة بشهر ديسمبر 2018 الذي بلغ الإنتاج خلاله 7.03 مليون طن. كما وصل الإنتاج اليومي للغاز الطبيعي 7.2 مليار قدم مكعب خلال الربع الأول من 2020[4]، وذلك لدخول عدد من مشروعات تنمية حقول الغاز على الإنتاج التي أثرت إيجابيا على زيادة معدلات الإنتاج وهي مشروعات تنمية حقل ظهر بالبحر المتوسط ومنطقة جنوب غرب بلطيم وحقول شمال الإسكندرية وحقول منطقة دسوق المرحلة (ب).
- ففي المشروع الأول الخاص بتنمية حقل ظهر، لشركة بتروبل، وصلت معدلات الإنتاج إلى 2.7مليار قدم يوميا في شهر أغسطس 2019، وذلك بعدما تم إنشاء وتشغيل 3 وحدات تسهيل إنتاج ومعالجة برية، إضافة إلى انه جاري تنفيذ أعمال المرحلة الثالثة من المخطط التي تستهدف وصل معدلات الإنتاج إلى 3 مليار قدم مكعب يوميا[5].
- أما المشروع الثاني الخاص بتنمية منطقة جنوب غرب بلطيم، لشركتي بتروبل وإيني الإيطالية، واستهدف المشروع إنشاء عدد من التسهيلات الإنتاجية لاستيعاب طاقة المشروع البالغة حوالي 500 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا، وذلك من خلال حفر 6 أبار جديدة جنوب غرب بلطيم، وتم الانتهاء من المشروع وبدء الإنتاج في سبتمبر 2019.
- وفيما يخص المرحلة الثانية من تنمية حقول شمال سيناء، فقد بدأ الإنتاج من البئر الأول في يوليو 2019، بمعدلات إنتاج 25 مليون قدم مكعب يوميا، والبئر الثاني في أغسطس 2019، بمعدلات إنتاج 20 مليون قدم مكعب يوميا، كما جاري ربط باقي الآبار تباعا للوصول إلي معدلات إنتاج مستهدفة 80 مليون قدم مكعب يوميا من خلال ربط 9 آبار، وتبلغ تكلفة المشروع حوالى 30 مليون دولار، حيث تم الانتهاء من ربط جميع الآبار على الإنتاج في سبتمبر 2019، هذا وقد تم وضع 4 آبار غاز جديدة على الإنتاج، حيث بلغ إجمالي معدلات إنتاج الغاز الأولية المضافة من المشروعات والآبار التنموية الجديدة وآبار الغاز التي تم إصلاحها ووضعها على الإنتاج خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2019 حوالى 489 مليون قدم مكعب غاز يومياً، كما تم وضع 54 بئر زيت جديدة على الإنتاج خلال الفترة بمعدل إنتاج أولى حوالى 43.9 ألف برميل يومياً[6].
- كما تم استكمال المرحلة التاسعة بحقول غرب الدلتا بالمياه العميقة “البرلس/شل الهولندية” والتي تهدف إلي إنتاج حوالي 350 مليون قدم3 يومياً غاز و3 آلاف برميل يومياً من المكثفات وبتكلفة استثمارية حوالي 775 مليون دولار، وذلك من خلال حفر وربط عدد 8آبار باستخدام الخطوط البحرية وتسهيلات المعالجة الخاصة بشركة البرلس هذا وقد تم وضع البئرين الثالث والرابع في شهري أكتوبر ونوفمبر 2019 بإجمالي إنتاج حوالي 100 مليون قدم مكعب يومياً[7].
- تم العمل على تنمية حقول جنوب دسوق – دلتا النيل – (بترو دسوق/شركة SDX): بهدف إنتاج حوالي 50 مليون قدم3 يومياً من خلال حفر وربط عدد 4 آبار (بحقلي جنوب دسوق وابن يونس) عن طريق وحدة إنتاج مبكر بطاقة استيعابية 60 مليون قدم3 يومياً حيث يتم ربط تسهيلات المعالجة بالشبكة القومية عن طريق خط 12 بوصة بطول 10 كم بإجمالي تكلفة حوالي 49 مليون دولار، وتم وضع الحقل على الإنتاج يوم 6 نوفمبر2019 بمعدل إنتاج أولي حوالي 45 مليون قدم مكعب يومياً.
- خط أنابيب نيدوكو/الجميل – دلتا النيل – لشركتي بتروبل/إيني الإيطالية : بهدف نقل حوالي 700 مليون قدم3 يومياً من إنتاج حقل نيدوكو إلى محطة معالجة الجميل وذلك لزيادة استخلاص البوتاجاز والمتكثفات والقدرة على معالجة كميات أكبر من الغازات ، ويتكون المشروع من عدد (2) خط برى بإجمالي طول 128 كم، يمتد الخط الأول من منطقة آبار نيدوكو إلى محطة أبو ماضي بقطر 24 بوصة وبطول 35.5 كم، بينما يمتد الخط الثاني من محطة أبو ماضي إلى محطة الجميل بقطر 32 بوصة وبطول 92.5 كم، وتبلغ تكلفة المشروع 300 مليون دولار، وتم تشغيل الخط الأول نهاية يناير2019 وتم تشغيل الخط الثاني منتصف شهر مايو[8]
كما يخطط قطاع البترول تحقيق زيادة في إنتاج الغاز الطبيعي بحيث يصل إلى 7.5 مليار قدم مكعب يوميا خلال 2020-2021، لسد الاستهلاك السنوي المتنامي للغاز.
ما هو الدور الذي تلعبه اكتشافات الغاز في السياسة الخارجية المصرية؟
تتميز منطقة شرق المتوسط بنمط الفوضى والتحالفات المؤقتة، والهياكل الأكثر دوام للهيمنة على المناطق الاقتصادية الخالصة التي يتنازع عليها حالياً لعدم حل حدود تلك المناطق وفقا للقانون الدولي نظرا للجوانب الجيولوجية والجغرافية التي يمكن تفسيرها بطرق مختلفة وفقا لمصالح كل دولة في شرق المتوسط، لذلك فان احتمالية نشوب الصراع بين دول شرق المتوسط (تركيا واليونان وقبرص ومصر) وكذلك (إسرائيل ولبنان وفلسطين) أمرا واردا.
حيث أفرزت الفرص المتاحة لإنتاج الغاز، والتهديدات التي يشكلها الفاعلون الإقليميون في هذه المنطقة، مبادرات اقتصادية ودبلوماسية متنوعة بين دول مختلفة، فخلال السنوات الخمس الماضية ظهر عدة تحالفات ثلاثية ومتعددة الأطراف، من بينها التحالف الثلاثي اليونان وقبرص ومصر حول ترسيم الحدود البحرية عام [9]2013، والتحالف الثلاثي بين اليونان وقبرص وإسرائيل في يناير 2020[10]، الذي توصل إلي اتفاق أولي في أثينا، ما يمهد الطريق أمام مد خط أنابيب الغاز المعروف باسم “إيست ميد” بطول 1900 كيلومتر لنقل الغاز الطبيعي من منطقة شرق البحر المتوسط إلى أوروبا. كما أعلنت مصر عن إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، والذي تم تأسيسه في القاهرة في يناير 2019، والذي يعتبر أحد أهم أشكال التحالفات حتى اللحظة، حيث يضم إسرائيل ومصر والأردن واليونان وقبرص وإيطاليا والمناطق الفلسطينية. كما أُعلن عن تحالف دولي أخر يضم كل من اليونان وقبرص والإمارات العربية المتحدة وفرنسا في 11 مايو 2020، لمواجهة التحركات الاستفزازية التركية في ليبيا والبحر المتوسط[11].
وفي هذا الإطار تشير اكتشافات الغاز الضخمة في مصر تحولها إلي دولة مصدرة، وقائدة في تحالفات أوروبية /شرق أوسطية، إضافة إلى أن السلوك العدواني لتركيا قد دفع نحو تعزيز العلاقات واتخاذها شكلاً مؤسسياً بين كل من اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر ما أكسبهم قوة سياسية واقتصادية وبالتالي سوف يكون لهم اليد العليا في النظام الإقليمي الفرعي الجديد، ومع استكمال عمليات الحفر لاستغلال الحقول المكتشفة تذهب كل التوقعات إلى أن مصر ستصبح في غضون أقل من عشر سنوات أحد أهم منتجي ومصدري الغاز في العالم. ويدعم هذه التوقعات اتفاق لتصدير 70 مليار مكعب من الغاز الإسرائيلي عن طريق منصات الغاز المصرية[12]. كما يدعمه اتفاقيات لتعاون مصري قبرصي مشابه. يضاف إلى ذلك أن مصر تمتلك أضخم وأهم محطتين جاهزين لتسييل الغاز وتصديره من شرق المتوسط إلى أوروبا والعالم.
ومما يعنيه ذلك أن مصر سوف تصبح شريكاً لا غنى عنه بالنسبة إلى أوروبا وعلى ضوء ذلك يمكن القول إن القاهرة يمكن أن تعود إلى لعب دورها السياسي في منطقة الشرق الأوسط.
كيف يمكن للنظام الإقليمي الجديد تعزيز ميزان القوة المصرية في شرق المتوسط؟
تشير المشاورات السياسية لدي اجتماعات منتدي غاز شرق المتوسط، إلي رغبة الدول الأعضاء في رفع مستوي هذا المنتدي إلي مستوي منظمة إقليمية، خاصة مع زيادة حضور الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وممثلين عن الاتحاد الأوروبي في أنشطة المنتدي، هذا إلي جانب زيادة التعاون والشراكة بين أعضاء المنتدي عبر محورين: الأول اقتصادي يتعلق بالاتفاقية الإطارية بين الشركة المصرية القابضة للكهرباء والشركة الأوروبية الأفريقية للربط الكهربائي في 22 مايو [13]2019، والتي تهدف إلي إنشاء شبكة كهربائية بين مصر وقبرص واليونان، وكذلك التوقيع علي اتفاق منع الازدواج الضريبي بين مصر وقبرص. والمحور الأخر يتعلق بالتعاون العسكري والاستراتيجي وهو ما تمثل في إجراء مناورات ميدوزا 9 في نوفمبر [14]2019، التي تعد أكبر المناورات التدريبية البحرية الجوية في نفذت في البحر المتوسط، حيث اشتملت على العديد من المهمات القتالية والتدريب على عمليات الاعتراض والإسناد والإمداد ومكافحة الغواصات واقتحام السفن.
وفي هذا السياق سوف تسهم هذه الشراكة في تحقيق الأمن والتنمية في المنطقة كما إنها ستصبح أليه ردع مناسبة لمواجهة الاستفزازات المستمرة من جانب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، خاصة مع إصراره على تعطيل أي إنتاج إقليمي للغاز في شرق المتوسط، بالإضافة إلى القيام بمغامرات خارجية في ليبيا، تهدد امن المنطقة، وهو ما تجلي في البيان الصادر عن اجتماع كل من اليونان وقبرص والإمارات العربية المتحدة وفرنسا لمواجهة التحركات التركية في ليبيا والبحر المتوسط في 11 مايو الماضي[15]، حيث اكد البيان على مواجهة التحركات التركية في المياه الإقليمية في قبرص ، حيث تقوم تركيا بعمليات تنقيب غير قانونية في البحر المتوسط التي هي تحت السيادة القبرصية.
كما أدان البيان انتهاكات تركيا المتصاعدة للمجال الجوي اليوناني. وانتقد بيان التحالف الإجراءات التركية في ليبيا، ومذكرة التفاهم بشأن ترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط والتفاهم بشأن التعاون الأمني والعسكري، اللذين تم التوقيع عليهما في نوفمبر 2019 بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية ومقرها طرابلس برئاسة فايز السراج.
كيف يمكن تعزيز آلية عمل منتدى غاز شرق المتوسط؟
يتطلب الوصول بمنتدي شرق المتوسط إلى مستوي اعلي، وجود طابع مؤسسي علي آليات التشاور والعمل، وذلك من خلال إقامة أمانة عامة دائمة تكون مكلفة بمتابعة تنفيذ القرارات التي يتخذها أعضاء المنتدي، إضافة إلي تهيئة المناخ للمزيد من التعاون مستقبلا.
كذلك يتطلب التركيز علي محور بناء القدرات المشتركة لدي الدول الأعضاء، خاصة في مجالي الأمن والطاقة.
من المهم اتساع دول وأعضاء المنتدى وحث كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على تقديم الدعم الملموس للمنتدى وعدم الاكتفاء بالإشادة بأهمية الشراكة.
المراجع
[1] يعرف النظام الإقليمي الفرعي من المنظور النظري بانه حدود غير دقيقة في بعض الأحيان وغالبا ما تكون مؤقتة، وقد يتم فهمها علي أنها مناطق مقسمة وفقا لخصائص التأثير البشري والطبعي والتفاعل بين الإنسان والطبيعة وتشير الدلالات للتطورات الحالية في شرق المتوسط إلي ملائمة تفسير النظام الإقليمي الفرعي لها.
[2] ” الاستكشاف … الخطوة الأولى لتحقيق التنمية المستدامة ” ، موقع وزارة البترول والثروة المعدنية، متاح علي الرابط:
https://www.petroleum.gov.eg/ar-eg/gas-and-petrol/discovery-search-production/Pages/discovery.aspx
[3] تم اعتماد البيانات من التقرير السنوي تقرير للشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية – إيجاس عن عام 2018-2019.
[4] ” ارتفاع إنتاج الثروة البترولية إلى 84.2 مليون طن خلال 2019 بزيادة 7%”، بوابة الأهرام، 30 ديسمبر 2019:
http://gate.ahram.org.eg/News/2343218.aspx
[5] ” «البترول»: إنتاج «ظُهر» يتجاوز الـ3 مليارات قدم مكعب يوميًا قبل نهاية 2019″، المصري اليوم، 28 أغسطس 2019:
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1422636
[6] ” خريطة الاكتشافات البترولية 2019 تقرب مصر من الاكتفاء الذاتي”، اليوم السابع، 26 نوفمبر 2019:
[7] ” ارتفاع إنتاج الثروة البترولية إلى 84.2 مليون طن خلال 2019 بزيادة 7%”، بوابة الأهرام، مرجع سبق ذكره.
[8] المرجع السابق.
[9] ” عاجل| قرار جمهوري بالموافقة على تنمية خزانات “الهيدروكربون” مع قبرص:، جريدة الوطن، 27 نوفمبر 2014:
https://www.elwatannews.com/news/details/606490
[10] ” اتفاق ثلاثي في أثينا لمد خط أنابيب الغاز في شرق المتوسط”، دوتش فيلا، 2 يناير 2020:
[11] ” منتدى غاز شرق المتوسط بالقاهرة.. الدول المشاركة والأهداف”، اسكاي نيوز، 14 يناير 2019:
[12] ” إسرائيل تشرع في ضخ الغاز الطبيعي إلى مصر بموجب اتفاقية هي الأهم منذ إقرار السلام”، فرانس 24، 15 يناير 2020:
[13] ” نبذة مختصرة عن EuroAfrica Interconnector”، متاح علي الرابط:
https://www.euroafrica-interconnector.com/ar/at-glance-ar/
[14] ” وسط توتر مع تركيا.. مصر واليونان وقبرص يطلقون مناورات عسكرية في البحر المتوسط”، موقع سي ان ان عربي، 3 نوفمبر 2019:
[15] Egypt announces international anti-Turkey alliance, al-monitor, May 31, 2020: