حتى أسابيع قليلة ماضية كان الأغلبية من البشر يعتقد اعتقاد شبه جازم بأن الإنسان استطاع إلى حد كبير السيطرة على الأوبئة التي كانت تُمثل كابوسًا للمجتمعات الإنسانية لمئات السنين. كان هذا الظنّ يرتكن على تراكم الثورة المعرفية الكبيرة ، والتطور الهائل في صناعة الأدوية واللقاحات، ووجود شبكة الإنترنت التي تجعل المعلومات أكثر وفرة وقابلة للانتشار.
لكن أتى فيروس “كورونا” ليُحدِث هزة في هذا الاعتقاد مسببًا صدمة كبرى، ليجعنا نشعر بذات الخوف الذي هيمن على الإنسان الأوروبي الذي عايش أشد لحظات الرعب في فترة الطاعون الأسود الذي فتك بثلث القارة الأوروبية في القرن الرابع عشر، ذاك الطاعون الذي ساهم في إحداث تغييرات ديمغرافية واجتماعية عنيفة في القارة العجوز، وأسدل الستار في النهاية على فترة العصور الوسطى.
أزمة “كورونا” الأخيرة كشفت عن مشاكل مختلفة في أغلب الدول التي أصابها فيروس “كورونا” من بينها: ضعف البنية التحتية للقطاع الصحي. وعدم الشفافية وهيمنة الارتجالية في وضع الإجراءات اللازمة لمكافحة فيروس كورونا، وهو الأمر الذي أمكن رؤيته في سياسات سلبية مثل: التهاون في عدم منع الرحلات إلى الصين في بداية الأزمة في بعض الدول، وعدم وضع المسافرين القادمين إلى البلاد في “حجر صحي” احترازي في دول أخرى، أو الامتناع عن كشف الحقائق عن وضع انتشار الفيروس كما هو الحال في إيران، أو التهاون في أخذ الوباء بجديَّة وهو ما حدث في بلدان عدة من بينها إيطاليا.
في ضوء ما سبق، ماذا يخبرنا التاريخ عن كيفية تعامل الحكومات مع أزمات الأوبئة؟
الطاعون الأسود وتطوير المنظومة الصحية
لم يعرف التايخ البشري جائحة أودت بحياة عشرات الملايين من البشر أسوأ مما شهده العالم القديم في العام 1347 الذي شهد موجة طاعون سميت بـ”الطاعون الأسود” ضربت أغلب أجزاء أوروبا ومناطق متفرقة من العالم الإسلامي. وكان على الجميع في تلك الفترة أن يتحملوا في زمن الطاعون الكثير من البلايا بدءا من القيود القانونية مرورا بالانهيار الاقتصادي المحلي، إلى الهجوم على المرضى والمحتضرين المتناثرين في الشوارع إلى الخوف من أن يأتي عليهم الدور.[1]
سرت تفسيرات متضاربة حول أسباب الطاعون تمهيدا لمعالجته، وغلبت الأسباب غير المنطقية في البداية حتى بين الفلاسفة الأطباء، فالطبيب الألماني “هنري لام” كتب في أوائل القرن الخامس عشر قائلاً :”إن القول بأن الوباء جاء من عند الربّ أفضل من تكرار جميع الآراء التي يسمعها المرء”. ومع احتدام الطاعون في نهاية العام 1348 طلب الملك فيليب الرابع من كلية الطب في جامعة باريس تقديم تفسير لهذا المرض وأصوله، فاستجابت كلية الطب بإصدار “نصح باريس” Paris Consilium أشارت فيه إلى أن الطاعون جاء نتيجة “لاقتران كواكب زحل والمشترى والمرّيخ في الساعة الواحدة بالضبط من بد ظهر مارس 1345″، وبفضل سمعة هذا المصدر الجامعي فقد دام هذا التحليل مدة طويلة ووجد طريقه للعديد من النشرات الطبية لزمن طويل.[2] بالطبع كانت التفسيرات الدينية التي ظهرت في تلك الفترات أقل منطقية، وساهمت حتى في زيادة انتشار الطاعون نتيجة للحملات التي دعت لها الكنيسة للخروج في الشوارع للابتهال للرب برفع الوباء.
يعتبر بعض المؤرخين “الطاعون الأسود” المشهد النهائي القاتم للعصور الوسطى، وبداية دخول أوروبا لعصر النهضة بسبب إشاعة الطاعون لروح اليأس من الحلول الدينية التقليدية التي كانت تطرحها الكنيسة لمواجهة الوباء الذي فتك بملايين الأرواح، لكن الأهم انفكاك العقل الأوروبي واتجاهه لتبني أطروحات علمية منطقية لمواجهة الجائحات المرضية المتتاليّة، ومن ثم العمل بشكل أكبر على تطوير منظومة “الصحة العامة”.وبالفعل بدأت الدول الأوروبية الاهتمام بشكل أكبر- خصوصا في الدول الكبيرة مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا- بمضاعفة كليات الطب، ووضع معايير للقبول والتخرج، وبفضل التأثر بحركة النهضة التي بدأت تظهر في أوروبا تم الاهتمام بمقررات للصيدلة وعلم النباتات الطبية، وأصبحت المسارح المخصصة للتشريح أكثر شيوعًا، وتم إعادة النظر في أسباب العدوى، وبدأت الدعوى لتغيير العادات غير السليمة، والتأكيد على النظافة الشخصية، ومكافحة مصادر الروائح الخبيثة التي تم اعتبارها أحد الأسباب القوية لظهور “الطاعون”.
لاحقًا تم إدخال سياسات وقائية فى مقاطعات توسكانى ولمباردى وفينسيا في إيطاليا، لكن هذه السياسات احتاجت قرنين من الزمان لتتحول إلى تطبيقات تعمُّ معظم أوروبا، ومنها سياسة الحجر الصحى وتقنيات مقاومة انتشار الوباء التى أثمرت تراجعاً ملحوظاً للطاعون بعد عام 1660م. لكن بلاد الشرق معظمها لم تكن وصلتها هذه القناعة بفاعلية ما استجد فى أوروبا لمواجهة الوباء.[3] وبالرغم من ذلك عاود “الطاعون” ضرباته لأوروبا وأماكن مختلفة من العالم في فترات متباينة، وظل يمثل كابوسا للقارة العجوز لفترة استمرت لخمس قرون تقريبًا.
الكوليرا في مصر في القرن التاسع عشر
في بداية ثلاثينيات القرن التاسع عشر ضربت الكوليرا (التي وفدت من آسيا) مناطق عدة في أوروبا وبلغ ضحاياها مئات الآلاف، حينها قام محمد علي باشا عام 1831 م بإنشاء “المجلس الصحي العام المصري” كصورة مصغرة لما يمكن اعتباره وزارة الصحة الآن للإشراف على مقاومة المرض الفتَّاك، وعندما حدث وباء الطاعون في العام 1833، واستدعي الأمر إخضاع السفن الأجنبية للإجراءات الصحية، كما طلبت مصر المساعدة من القنصليات الأجنبية التي كونت “لجنة للصحة العامة” كلجنة منفصلة تساعد في الإشراف التي تتخذ في مواجهة الطاعون حينها، ثم تم ضم هذه اللجنة لاحقًا للمجلس الصحي العام في مصر عام 1843، وعُدَّ هذا المجلس أول منظمة دولية معنية بالتعاون الصحي، إذا كان يدار بواسطة المصريين وممثلين من عدد من الدول الأووبية بهدف حماية دولة من الأوبئة الوافدة.[4]
لكن عندما اخترق الطاعون احتياطات الحجر الصحى التى اتُّخذت عام 1834م، ضرب محمد على كردوناً حول الإسكندرية، الميناء الرئيسي الذي كان يستقبل السفن الأجنبية القادمة من أوروبا، والتي كان يخشى أن يحمل راكبوها المرض، ولم يتورع عن اتخاذ إجراءات أكثر شِدَّة كتلك التى اتُّبِعت فى ميناء “جنوه” عام 1656م، فقامت الشرطة والجيش بعزل مرضى الطاعون فى مستشفيات الأمراض المعدية وحرق متعلقاتهم الشخصية، وكان الرصاص يُطلق على أرباب الأُسَر الذين يُخفون موت أحد أفراد الأسرة بالطاعون ليفلتوا من الرقابة الصحية. ومراعاةً للقيم والتقاليد أنشأ محمد على فرقاً من النساء للإشراف على تحميم الإناث فى المناطق التى يظهر فيها الوباء، وعند انتهاء الحمام، سواء للرجال أو النساء، كانت تُقدَّم للفلاحين ملابس نظيفة مع بقائهم لعدة أيام تحت إشراف الأطباء المصريين الشبان خريجى قصر العينى، وفى الوقت نفسه كانت هناك إجراءات شديدة الصرامة تطبق فى الموانئ على السفن الوافدة مهما كانت تبعيتها الأجنبية.[5]
كما أمر محمد علي بإقامة محاجر صحية للقادمين والمغادرين من الطرق الرئيسية للبلاد، خصوصا الحجاج الذين يفدون من أفريقيا وبلاد المغرب العربي، كان محمد علي باشا يدرك أن المسافرين هم السبب الرئيسي وراء انتقال الطاعون، فأقام عدم أماكن لحجر الصحي على الموانئ الأساسية التي تتحرك من السفن.
في العام 1836م وهو العام الذي اشتد فيه الطاعون بمصر أصدر محمد على باشا أمراً إلى وكيل الجهادية بإنشاء حجر صحى ( سميت حينها بالكورنتينا) بجوار ميناء القصير خوفاً من انتقال العدوى عن طريق الحجاج الوافدين، وكانت الكورنتينة تحوي إقامة للمرضى ومؤن من الطعام، وتعيين لزوم إقامتهم، وعند خروجهم كان يُصرف لهم من المؤن، وقد عينت الحكومة لتلك الكورنتينة حراسا أشداء لحماية الأطباء والممرضين والمرضى من اعتداءات اللصوص، وكذلك دفع أجرة لهم لتوصيل الحجاج إلى بئر عنبر فى قفط.[6] هذه السياسات أدت لاحقا لحصر مرض الكوليرا.
الأنفلونزا الأسبانية ونشأة منظمة الصحة العالمية
مع نهاية الحرب العالمية الأولى، ظنّ العالم لوهلة أنه طوى صفحة سوداء لحرب تسبب في مقتل ستة عشر مليون قتيل، لكن الحرب كانت قد أنهت حرفيا على اقتصاديات دول كاملة، وقضت على مقومات البنية التحتية ( من بينها القطاع الصحي) لدول عديدة من المشاركة في الحرب أو المتضررة منها، لذا استيقظ العالم على كابوس آخر وهو فيروس “الإنفلونزا الأسبانية” التي انتشرت بشكل مروع في قلب القارة العجوز التي خرجت لتوها من حربها الكبرى منهكة وممزقة.
في عشرينيات القرن العشرين، قُدر أنه بين ربيع عام 1918 وأوائل صيف عام 1919 قد هاجم فيروس الإنفلونزا ما بين 200 إلى 700 مليون شخص، وكان ضحاياه منهم ما بين 10 و 21 مليونًا، معظمهم في أوروبا.[7] باحثون وأطباء في فترات لاحقة تحدثوا عن أن ضحايا الإنفلونزا الأسبانية في العالم كانت أكبر من ذلك بكثير، حيث وصف وباء ” أنفلونزا الأسبانية” باعتبارها أكبر وباء أصاب البشرية في تاريخها المعاصر.
لم تستطع الجهود الدولية في مقاومة هذا الوباء لأسباب مختلفة، أهمها انتشاره أولا بين العسكريين الذين كانوا يتواجدون على جبهة الحرب في تلك الفترة-كانت الجبهة بيئة خصبة لتفشي الأمراض من هذا النوع- ونتيجة لعدم وجود لقاح للحماية من عدوى الإنفلونزا، وعدم توفر مضادات حيوية لعلاج الالتهابات البكتيرية الثانوية التي يمكن أن ترتبط بعدوى الإنفلونزا، لذا فقد اقتصرت جهود المكافحة في جميع أنحاء العالم وقتها على التدخلات غير الصيدلانية مثل العزل، والحجر الصحي، والنظافة الشخصية الجيدة، واستخدام المطهرات، وتقييد التجمعات العامة.[8]
لكن هناك درس هام للغاية يمكن تعلمه من “الإنفلونزا الأسبانية” التي تتشابه أعراضها الأوليَّة والنهائية مع فيروس “كورونا”، وهو تقييد الحركة والتجمعات لوقف جماح الفيروس، فبالرغم من أن السفر الجوي كان في مهده عندما ضربت الإنفلونزا الإسبانية، إلا أن أماكن قليلة للغاية استطاعت أن تنجو من الآثار المروعة للإنفلونزا، كان من بينها منطقة خليج بريستول في ألاسكا الذي نجا من “الأنفلونزا الإسبانية” بدون أذى عن طريق التقنيات الأساسية التي يتم التوصية باستخدامها اليوم، لقد قاموا بإغلاق المدارس، وحظروا التجمعات العامة، وأغلقوا الوصول للقرية من الطريق الرئيسي، لقد ابتكروا نسخة مخفضة من قيود الترحال التي ينادى بتطبيقها الآن للحد من السفر لمناطق موبوءة مثل الصين وشمال إيطاليا لوقف انتشار الفيروس.
مع تأثير الإنفلونزا الأسبانية ثم لاحقا انتشار مرض التيفوس الذي أصاب أكثر من مليوني شخص في روسيا وبولندا في العام 1919، تبنت منظمة “عصبة الأمم” تأسيس لجنة صحية دولية مؤقتة أشرفت على ثلاث مهام رئيسية هي : (أ).تبادل المعلومات الوبائية بين الدول(ب).وتأسيس لجان دولية من خبراء فنيين متخصيين في مجالات الحجر الصحي والملاريا والسرطان والتغذية (ج). وتقديم المشورة الفنية للدول، والاتصال المباشر بالمجتمع الطبي في العالم.[9]
وكان هذا التنسيق بين الدول فيما يخص الأوبئة خطوة هامة لتعضيد التساند الإنساني أمام الأوبئة التي لا تعرف الحدود أو الأجناس، لكن مع اضمحلال دور عصبة الأمم ومنظمتها الصحية بقيام الحرب العالمية الثانية، كان على الدول التي ساهمت في تأسيس منظمة “الأمم المتحدة”الإسراع بإعادة تنظيم العلاقة بين المنظمات الصحية الدولية لتأسيس منظمة صحية دولية واحدة لتخرج إلى النور “منظمة الصحة العالمية” في العام 1946.
توصيات
إجمالا يمكن الحديث هنا عن بعض التوصيات التي يمكن أخذها في الاعتبار أثناء وبعد انتهاء أزمة “فيروس كورونا” لمواجهة أية أزمات صحية قد تطرأ من هذا النوع.
الشفافية وتوفير المعلومات
كشفت أزمة “كورونا” عن أزمة الشفافية التي انتهجتها بعض الحكومات في التعامل مع الفيروس، سواء في حجب معلومات عن مواطنيها، أو عدم الشفافية في التعامل مع ظهور المرض بشكل مبكر، وبالتبعية تعرض عدد كبير من السكان –نتيجة لعدم فرض إجراءات عزل مبكرة- لهذا الفيروس، أو عدم مقدرة القطاع الصحي المدني على التواصل المبكر مع منظمات الصحة الإقليمية والدولية للتنسيق والمتابعة، كما أن الشفافية وتداول المعلومات سياسة هامة تُعزِّز الثقة في الإجراءات التي تتخذها الدولة لمواجهة وباء بهذا الحجم.
القطاع الطبي
تعرض أعضاء القطاع الصحي ( أطباء وممرضين) ذاته للإصابة بهذا المرض بشكل فادح –خصوصا في إيطاليا وأسبانيا وإيران- يعيد النظر في أهمية اختبار جاهزية القطاع الصحي لأوبئة من هذا النوع، لذا فمن المهم العمل على تعزيز القطاع الطبي عن طريق (أ) تطوير المنظومة التعليمية لاستيعابها عدد أكبر من الأطباء (ب) وتحفيز العمل الطبي الحكومي بزيادة المرتبات المخصصة لكوادره (ج) والتركيز على تطوير منظومة التمريض، وتحفيز الالتحاق بها بعد إنهاء التعليم الثانوي، (د). وتوسيع منصة التأمين الطبي الشامل كي تشمل كل الفئات الاجتماعية، خصوصا الفئات الأكثر فقرًا، وتحصيل أموال التأمين الصحي من الشركات الكبرى.
الانسجام الإداري
مفاجأة فيروس “كورونا” وانتشاره السريع اختبر قدرة أجهزة الدولة الداخلية ( القطاع الصحي والاقتصادي والإعلامي والتعليمي الخ) على التعامل بانسجام سويًا، هناك دول استطاعت أن تتجاوز هذا الأمر ببراعة نتيجة الكفاءة المعهودة في جهازها الإداري، والحيوية التي تُميِّز مسارات التواصل بين قطاعاته المختلفة، وهناك دول أخرى ارتبك فيها منظومة القرارات الخاصة بمكافحة الفيروس بسبب البيروقراطية، وقلة كفاءة المشغلين والمسؤولين التنفيذيين.
الصحة النفسية
من المهم أن توفر الدولة منظومة طبية عاجلة يشرف عليها أطباء وأخصائيون نفسيون تقوم بالتواصل هاتفيا، أو عبر الإنترنت للمواطنين المقيمين في المنازل لمعالجة الآثار النفسية الناتجة عن القلق والتوتر بسبب الخوف من فيروس كورونا، والانعزال الفترة طويلة، والضغوطات غير المباشرة الناتجة عن تأثرهم اقتصاديا بالأزمة، كذلك توفير خدمة نفسية للأطفال الذين قد يتأثر سلوكهم النفسي بسبب انعزالهم لفترات طويلة، وعدم أي ممارسة أنشطة خارجية، أو مقابلة إقرانهم.
كبار السن
هناك خط عام في الأزمة الحالية ( خصوصا في الدول التي ارتفعت فيها الإصابات والوفيات بدرجة كبيرة مثل إيطاليا وأسبانيا وحتى الولايات المتحدة) يتحدث عن أولوية الحفاظ على الحالات الأصغر سنًأ، وترك كبار السن لمواجهة الموت بسبب عدم كفاية غرف العناية المركزة أو أجهزة التنفس، وكذلك عدم إمكانية إنقاذهم من الفيروس لضعف مناعتهم بالمقارنة بصغار السن وهكذا، وهو اختيار شديد الصعوبة، وكان من المستحيل الحديث عنه في دول تولي أقصى اهتمام بالفئات الأكثر ضعفا مثل: كبار السن، والأطفال، والسيدات. وبالتالي من المهم التفكير في حلول لمساعدة كبار السن الذين يتواجدون وحدهم في المنزل، في هذا الإطار يطرح مالك سلطان، وهو استشاري اقتصادي فكرة وجود “تطبيق” أو عدة تطبيقات (من الأفضل هنا أن يكون تطبيقا واحدة لسهولة استخدامه) على أجهزة الهواتف الحديثة يتم من خلالها إرفاق بيانات الشخص المسن بإدخال بياناته، عنوانه، والأدوية التي يحتاج إليها، خدمات التوصيل التي يمكن توفيرها له، مواعيد تذكره بموعد أدويته. يوفر التطبيق أيضا إمكانية التواصل مع متطوعين من المنطقة التي يقيم فيها المسن، كما يسمح التطبيق بالتواصل بشكل أسرع مع سائقي شركات “أوبر” و:كريم”، وأيضا يوفر التطبيق إرسال استغاثة حال إصابته، أو شعوره بالخطر، ويمكن في هذه الحالة أن تقوم جمعيات خيرية أو أهل المسن بدفع اشتراكات بسيطة لهذا التطبيق كي يضمن استمراره.
رقمنة الخدمات والذكاء الصناعي
أزمة كورونا أيضا نبهت للأهمية القصوى للرقمنة، والانتقال الكامل للتحول الإليكتروني في القطاعات الحكومية والقطاع الخاص، ليس فقط لتوفير الجهد والمال، وتحسين كفاءة العمل والتشغيل والجودة، وتبسيط الإجراءات، لكن لخلق منظومة جديدة يمكنها أن تقلل في حالات الطوارئ القصوى -كما هي الفترة التي نعيشها الآن -من الهدر الاقتصادي الناتج عن تعطل مرافق كاملة بسبب غياب الموظفين القسري بسبب فيروس كورونا، أو لاحقا بسبب أوبئة أو كوارث طبيعية.
الرقمنة تتيح لقطاع كبير من الطلبة تلقي دروسهم عبر الإنترنت بما يعني ذلك تقليل كثافة الفصول، ووصول المعرفة لأكبر قدر ممكن من المستخدمين، وربط الأجيال مباشرة بالإنترنت، وتقليل الرشاوي في قطاعات الخدمات بتقليل التعامل المباشر بين الموظف والمواطنين، وتحويل التعامل النقدي كاملا لتعامل إليكتروني، وتوصيل الخدمات للمنازل عبر تطبيقات على الهواتف الحديثة، وطرح تطبيقات جديدة تتيح التعلم واكتشاف الموهوبين في مجالات مختلفة بما يضمن تقليل المركزية، وتوفير الموارد للمهمشين جغرافيا واجتماعيًا.
كما أن هناك من يتحدث عن أن الأزمة الحالية تعزز الاحتياج الكبير للذكاء الصناعي والروبوتات، لتلاشي التجمعات الكبيرة من ناحية، وتقليل الاعتماد على العنصر البشري في صناعات خطيرة، أو ترهق العاملين وتستنزفهم، بل وتقلل من متوسطات أعمارهم (صناعات الفحم والمناجم وغيرها)، لكن يجب أن يراعي أن هذا الإحلال لا يعني بالمرة تهميش فئات كاملة من العمال، ووضعهم في البيوت بدون عمل، بل يجب على الدولة حينها الاستفادة لاحقًا من توفير هذا الكم من العمالة في أعمال أخرى أكثر إنسانية.
المراجع
[1] جوزيف بيرن، الموت الأسود..سلسلة الحياة اليومية عبر التاريخ، ترجمة عمر الأيوبي، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، كلمة، أبو ظبي، 2013، ص 15.
[2] المصدر نفسه، ص ص: 42-43.
[3] محمد المخزنجي، في مواجهة الطاعون، المصري اليوم، (29 نوفمبر 2017) تاريخ زيارة الرابط 19 مارس 2020 : https://www.almasryalyoum.com/news/details/1225286.
[4] عصمت إبراهيم حمود، دور الشرق الأوسط في التعاون الصحي الدولي منذ أوائل القرن التاسع عشر إلى قيام منظمة الصحة العالمية، المجلة الصحية لشرق المتوسط، منظمة الصحة العالمية، المجلد الأول، العدد 1، 1995، ص 121.
[5] محمد المخزنجي، في مواجهة الطاعون، المصري اليوم، (29 نوفمبر 2017) تاريخ زيارة الرابط 19 مارس 2020 : https://www.almasryalyoum.com/news/details/1225286. ( بتصرف بسيط).
[6] محمد السيد سليمان، «كورنتينة القصير».. أقدم حجر صحي في مصر، المصري اليوم، ( 4 مارس 2020)، تاريخ الوصول للرابط 25 مارس 2020 : https://www.almasryalyoum.com/news/details/1477266.
[7] ALICE REID, The Effects of the 1918–1919 Influenza Pandemic on Infant and Child Health in Derbyshire, (1/1/2005), Retrieved from: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1088249/
[8] Center for Disease Control and Prevention, Retrieved from : https://www.cdc.gov/flu/pandemic-resources/1918-commemoration/1918-pandemic-history.htm
[9] عصمت إبراهيم حمود، دور الشرق الأوسط في التعاون الصحي الدولي منذ أوائل القرن التاسع عشر إلى قيام منظمة الصحة العالمية، مصدرسبق ذكره، ص ص: 125-126
https://www.bbc.com/future/article/20200302-coronavirus-what-can-we-learn-from-the-spanish-flu?fbclid=IwAR1l9Nd-4gU6s7RoPuj9P97nAvBrIyCVFdjbMqFpimKmOIM0aWG4cKi3q0o