شهدت واردات الأسلحة، من قبل الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو، ارتفاعًا كبيرًا خلال السنوات الخمس الماضية، حيث تضاعفت أكثر من مرتين، وفقًا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).
وتتصدر الولايات المتحدة قائمة الموردين، حيث زودت أوروبا بـ 64٪ من وارداتها من الأسلحة، مقارنة بـ 52٪ خلال الفترة السابقة (2015-2019).
ويشير التقرير أيضًا إلى أن فرنسا نجحت في مضاعفة صادراتها ثلاث مرات إلى جيرانها الأوروبيين، خاصة بفضل مبيعات مقاتلات رافال لليونان وكرواتيا، إلى جانب تزويد أوكرانيا بالأسلحة.
سباق تسلح تغذّيه التهديدات الروسية
وأكد تقرير SIPRI أن هناك ديناميكية إعادة تسليح واسعة النطاق في أوروبا، مدفوعة بتزايد المخاوف بشأن التهديد الروسي، فقد ارتفعت واردات الأسلحة من قبل دول الناتو الأوروبية بنسبة 105٪ بين 2020 و2024، مقارنة بالفترة 2015-2019.
وفي هذا السياق، أصبحت أوكرانيا أكبر مستورد للأسلحة في العالم، في حين حافظت الولايات المتحدة على مكانتها كأكبر مصدر للأسلحة عالميًا، حيث تستحوذ على 43٪ من السوق.
ويوضح بيتر ويزمان، الباحث الرئيسي في برنامج “نقل الأسلحة” لدى SIPRI، أن التصعيد الروسي المتزايد، إلى جانب التوترات في العلاقات عبر الأطلسي خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دفع الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو إلى محاولة تقليل اعتمادها على استيراد الأسلحة وتعزيز صناعتها الدفاعية.
ومع ذلك، ورغم هذه المحاولات، استمرت واردات الأسلحة الأمريكية إلى أوروبا في الارتفاع.
أوروبا تتحول إلى السوق الأكبر
لا تزال تبعية الدول الأوروبية للولايات المتحدة قوية، حيث قامت دول الناتو الأوروبية خلال السنوات الأخيرة بطلب نحو 500 مقاتلة وأنظمة تسليح أمريكية أخرى.
في المقابل، تعتبر فرنسا استثناءً من هذه القاعدة، حيث تعتمد بشكل ضئيل على الواردات الأمريكية.
أما إيطاليا والمملكة المتحدة، فهما من بين الدول الكبرى التي لا تزال تشتري طائرات الشبح F-35 وأنظمة الدفاع الجوي باتريوت من الولايات المتحدة، حيث يصعب إيجاد بدائل أوروبية سريعة لهذه الأنظمة.
ويُظهر التقرير أن هولندا وبلجيكا والدنمارك تعتمد بشكل أكبر على الأسلحة الأمريكية. ويرى بيتر ويزمان أن تغيير هذا النمط سيتطلب استثمارات سياسية ومالية ضخمة، حيث إن اقتناء الأسلحة يستغرق سنوات عديدة، غالبًا أكثر من مدة ولاية رئيس أمريكي.
ونتيجة لذلك، ولأول مرة منذ 20 عامًا، أصبحت أوروبا السوق الأكبر للأسلحة الأمريكية، حيث استحوذت على 35٪ من صادرات الأسلحة الأمريكية خلال الفترة 2020-2024، متجاوزة منطقة الشرق الأوسط (33٪)، حيث لا تزال السعودية أكبر زبون للولايات المتحدة.
فرنسا ثانيا في تصدير الأسلحة
تُهيمن الولايات المتحدة على سوق السلاح العالمي بحصة تبلغ 43٪ من إجمالي الصادرات، أي أربعة أضعاف حجم صادرات فرنسا، التي تحتل المرتبة الثانية.
وقد نجحت فرنسا في مضاعفة صادراتها إلى أوروبا ثلاث مرات مقارنة بالفترة السابقة، بفضل صفقات بيع طائرات الرافال إلى اليونان وكرواتيا، إضافة إلى تزويد أوكرانيا بالأسلحة.
وتبقى الهند أكبر مستورد من فرنسا، حيث تستحوذ على 28٪ من الصادرات الفرنسية، وهو ضعف إجمالي الصادرات الفرنسية إلى بقية الدول الأوروبية (15٪).
تراجع حاد في الصادرات الروسية
لم تعد روسيا، التي كانت ذات يوم من أبرز مصدري الأسلحة، تهيمن على السوق، حيث هبطت إلى المرتبة الثالثة عالميًا، وسجلت انخفاضًا حادًا بنسبة 64٪ في صادراتها.
ويعود هذا التراجع إلى الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، بالإضافة إلى العقوبات الدولية الصارمة التي فرضها الغرب، وضغوط الولايات المتحدة وحلفائها لمنع الدول الأخرى من شراء الأسلحة الروسية.
وكانت الهند تمثل 38٪ من صادرات روسيا خلال 2020-2024، لكنها بدأت تدريجيًا في البحث عن مصادر تسليح بديلة، في الوقت نفسه، عززت الصين (17٪) صناعتها الدفاعية لتقليل اعتمادها على موسكو.
ورغم الحرب في غزة، كشف تقرير SIPRI أن واردات الأسلحة إلى إسرائيل ظلت مستقرة خلال الفترتين 2015-2019 و 2020-2024، دون تغييرات ملحوظة.
ويعكس هذا التقرير إعادة تشكيل المشهد العالمي لصناعة السلاح، حيث تلعب أوروبا دورًا متزايد الأهمية، سواء كمستورد رئيسي أو كمصدر في ظل تصاعد التوترات الدولية.