ألقى الموقف الإسرائيلي بعدم الانسحاب الكامل من جنوب لبنان بظلاله على المشهد المرتبك بالأساس في المنطقة، وسط تكهنات باحتمالية التصعيد من جانب حزب الله.
القرار الإسرائيلي كذلك يفرض تحديات معقدة على القيادة اللبنانية، متمثلة بالرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، اللذين يجدان نفسيهما بين ضغوط الدعم الغربي وتصاعد التوتر مع حزب الله، وفق تقرير لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية.
وأشار التقرير إلى أن إسرائيل كانت قد أعلنت انسحابها من جنوب لبنان الأسبوع الماضي، وفق ما تم الاتفاق عليه، لكنها قررت الاحتفاظ بخمس نقاط حدودية تحت سيطرتها إلى أجل غير مسمى، وهو ما اعتبرته الصحيفة “قراراً صائباً وضرورياً”.
غير أن التقرير لفت إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تقويض شرعية الحكومة اللبنانية الجديدة، ما قد يُفضي إلى تصعيد عسكري محدود بين إسرائيل وحزب الله، دون الوصول إلى مستوى الحرب الشاملة.
واستعرض التقرير السياق السياسي الذي سبق تشكيل الحكومة اللبنانية، مشيراً إلى أن لبنان شهد اضطرابات سياسية دقيقة مطلع العام، تخللتها مناورات مكثفة أدت إلى انتخاب جوزيف عون رئيساً للبلاد بعد حصوله على 99 صوتاً برلمانياً، بدعم مفاجئ من حركة أمل وحزب الله، عقب اجتماع سري انتهى بإعلان تأييدهما له.
كما لفت التقرير إلى أن انتخاب عون جاء نتيجة ترتيبات سياسية معقدة، شملت ضغوطاً دولية من قبل المبعوث الأمريكي السابق آموس هوكشتاين والمبعوث السعودي الأمير يزيد بن فرحان، ممثلاً لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وفي سياق متصل، أشار التقرير إلى أن الإدارة الأمريكية السابقة قامت في آخر يوم من ولاية الرئيس جو بايدن بتحويل 117 مليون دولار لدعم الجيش اللبناني، وهو ما اعتبرته الصحيفة محاولة لتعزيز موقع عون ونواف سلام في مواجهة التحديات الداخلية، لا سيما في ظل اشتراطات أمريكية وعربية للإصلاحات مقابل استمرار الدعم المالي.
مشاورات معقدة
تطرّق التقرير إلى المشاورات المعقدة التي سبقت تشكيل الحكومة اللبنانية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة كانت قد شددت على أن حزب الله لن يكون جزءاً من الإدارة الجديدة، إلا أن الحزب نجح في النهاية في تأمين خمس وزارات رئيسية، بينها المالية والصحة، في خطوة وصفها التقرير بأنها متوقعة.
أما على المستوى الأمني، فقد اتفق لبنان وإسرائيل، بوساطة اللجنة الخماسية، على هدنة مدتها 60 يوماً، على أن يعقبها انسحاب إسرائيلي كامل، غير أن التقرير أشار إلى أن الاحتجاجات التي نظمها حزب الله في المناطق الحدودية، والتي أدت إلى مقتل 23 متظاهراً لبنانياً، دفعت إلى تمديد اتفاق وقف إطلاق النار وتأجيل الانسحاب، ما زاد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري.
ومع اقتراب الموعد النهائي للانسحاب الإسرائيلي، شددت كافة الأطراف المعنية على ضرورة الالتزام بالاتفاق، حيث كثّف الرئيس جوزيف عون ونواف سلام ضغوطهما على اللجنة الخماسية لضمان تنفيذ إسرائيل لتعهداتها، فيما أطلق رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري تصريحات تحذيرية من مخاطر تأجيل الانسحاب الإسرائيلي مجدداً، مشيراً إلى أنه قد يؤدي إلى إعادة احتلال تدريجي لمناطق لبنانية.
وفي المقابل، شدد نعيم قاسم، على ضرورة الالتزام بموعد الانسحاب، محملاً الحكومة اللبنانية مسؤولية تنفيذ الاتفاق، ومؤكداً على أن حزب الله سيواصل نهجه المقاوم، حتى لو سعت الحكومة الجديدة إلى تقليص دوره في سياساتها الرسمية.
ووفق التقرير، فإن هذا الموقف يحظى بإجماع نادر بين مختلف القوى السياسية اللبنانية، ما قد يمنح حزب الله غطاءً وطنياً لاستئناف أنشطته العسكرية، بعيداً عن البعد الإقليمي أو الإيراني.
توقف التقرير عند حادثة إحراق مركبة تابعة لقوات اليونيفيل على يد أنصار حزب الله، والتي أثارت إدانة دولية واسعة، إضافةً إلى الاحتجاجات التي نظّمها أنصار الحزب في مطار بيروت على خلفية أزمة الرحلات الجوية الإيرانية – اللبنانية.
كما ربط التقرير بين هذه التطورات والغارة الجوية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت شخصية بارزة في حركة حماس داخل الأراضي اللبنانية، فضلاً عن التصعيد الذي ترافق مع التحضيرات لوداع الأمين العام السابق لحزب الله، السيد حسن نصرالله، وما رافقه من استعراض سياسي وعسكري للحزب.
خطوات تصعيدية من حزب الله
وفق الصحيفة الإسرائيلية، فإن حزب الله قد يتخذ خطوات تصعيدية خلال الفترة المقبلة، لكنه سيحرص على إبقاء تحركاته تحت عتبة الحرب الشاملة، نظراً لأن أي مواجهة مفتوحة ليست في مصلحة أي طرف لبناني في هذه المرحلة.
ومع ذلك، رأت الصحيفة أن الحزب يسعى إلى استعادة مكانته كمدافع عن المصالح الوطنية اللبنانية، بعيداً عن كونه مجرد ذراع إيرانية، وذلك في محاولة لإعادة تموضعه كلاعب أساسي في المشهد السياسي والعسكري اللبناني.