بعد سنوات من علاقة متقلبة، قرر الأردن حظر أنشطة جماعة “الإخوان المسلمين” إثر اتهامها بـ”القيام بنشاطات من شأنها زعزعة الاستقرار، والعبث بالأمن والوحدة الوطنية”.
الخطوة، التي تأتي في سياق إقليمي موسوم بالتوتر، تنهي خصوصية طبعت العلاقة بين الطرفين بدءاً من مشاركة الجماعة في عملية بناء الدولة، مروراً بالتحالف معها قبل أن تصبح مصدر إزعاج ترتب عنه حل الجماعة ثم حظرها.
ويطرح القرار عدة تساؤلات بشأن تداعياته المحتملة وما قد يترتب عنه لـ”جبهة العمل الإسلامي”، الجناح السياسي للجماعة الذي ينشط بشكل قانوني، وفق موقع جريدة الحرة7.
وشكل قرار السلطات الأردنية حظر جماعة “الإخوان المسلمين” في البلاد وتجريم الانضمام إليها خطوة قوية جاءت إثر اعتقال 16 من أعضائها، بتهم تتعلق بتهديد الأمن القومي، من بينها “تدريب مسلحين وتصنيع متفجرات والتخطيط لتنفيذ هجمات باستخدام صواريخ وطائرات مسيّرة”.
وربط وزير الداخلية مازن الفراية الحظر بالمخطط الذي تم الإعلان عنه، مشيرا إلى أن أعضاء من الجماعة حاولوا في الليلة ذاتها “تهريب وإتلاف كميات كبيرة من الوثائق من مقرها”.
وأكد الفراية أن الجماعة كانت “تعمل بسرية وتقوم بأنشطة تهدد الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية”.
وشددت المملكة الهاشمية القيود على الجماعة على مدى العامين الماضيين، فحظرت تجمعاتها العامة واعتقلت بعض معارضيها البارزين.
وكانت السلطات الأردنية قد شجعت أيضاً مجموعة منشقة على الطعن قانونياً بترخيص العمل للحركة الرئيسية، ولكنها ظلت، حتى وقت قريب، تتجنب فرض حظر صريح.
تاريخ الجماعة في الأردن
ولطالما اعتبرت جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن فاعلاً سياسياً بارزاً منذ استقلال الدولة عام 1946، إذ سمح لها دائماً بالوجود من قبل الحكم الملكي الهاشمي، رغم تذبذب العلاقة بين الطرفين.
بل إن الجماعة شكلت في السنوات الأولى لتأسيسها عام 1945، جزءاً لا يتجزأ من عملية بناء الدولة، غير أن تتويج الملك عبد الله الثاني شكل بداية مرحلة من الضغوط المتزايدة على الجماعة التي بات يُنظر إليها باعتبارها قوة مفرطة التأثير.
هذا الارتباط الوثيق بين الإخوان وتطور الدولة الأردنية الحديثة، بدا جلياً بين عامي 1946 و1973، حين واجهت المملكة الهاشمية تحديات إقليمية كبيرة، منها محاولتا انقلاب: الأولى عام 1957 بعد إقالة رئيس الوزراء سليمان النابلسي، والثانية في 1970-1971 خلال ما سمي بـ”أيلول الأسود” الذي يعرف أيضاً باسم الحرب الأهلية الأردنية، وهو الصراع الذي نشب في الأردن بين القوات المسلحة الأردنية بقيادة الملك حسين ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات في المقام الأول بين 16 و27 سبتمبر 1970 مع استمرار بعض الأعمال حتى 17 يوليو 1971.
في كلتا الحالتين، لعبت الجماعة دور الحليف للملك الحسين وساهمت في استقرار البلاد في أجواء الحرب الباردة، وتماهت مواقفها مع مساعي الدولة لإثبات شرعيتها، لا سيما في مواجهتها للمد الشيوعي والتأثير الناصري-السوفياتي. كما رفضت، لأسباب أيديولوجية، ميثاق بغداد ومبدأ أيزنهاور، اللذين اعتبرتهما تدخلاً توسعياً.
معاهدة السلام مع إسرائيل
في ثمانينيات القرن الماضي، ومع ترسيخ الجماعة وجودها في الجامعات، وتحولها إلى حركة فكرية ذات طابع مدني جماهيري، بدأت التوترات بين الطرفين تطفو إلى السطح، خاصة حين وقّع الملك الحسين معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1994، ثم تفاقمت مع مقاطعة الجماعة للانتخابات عام 1997، بعد أن أنشأت ذراعها السياسي “جبهة العمل الإسلامي” عام 1992 إثر السماح بتأسيس الأحزاب السياسية.
مع بداية القرن الحادي والعشرين، يرى مراقبون أن وجود الجماعة شكل مصدر إزعاج لحكم الملك عبد الله الثاني الذي تولى الحكم عام 1999، ويفسرون ذلك بخشية السلطات من النفوذ السياسي للجماعة، ما دفعها إلى تقليص دورها وزيادة القيود المفروضة عليها.
وتم تهميشها في الجامعات، لا سيما كليات الشريعة، ومنع عدد من أئمتها وخطبائها من النشاط، أو فُرض عليهم الالتزام بخطاب ديني غير سياسي، كما مُنعت من الظهور الإعلامي.
في هذا السياق، اختارت الجماعة عام 2008 قيادة أكثر تشدداً برئاسة همّام سعيد، في ظل تصاعد التوتر مع الدولة، بالإضافة إلى عوامل إقليمية أخرى.
بالتوازي مع ذلك، ضيّقت السلطات الأردنية الخناق على جبهة العمل الإسلامي، إذ أُقصي أعضاؤها من وظائف حكومية، في المستشفيات والجيش، كما أثرت هذه الظروف على المشاركة السياسية للجبهة التي، بعد نتائج ضعيفة عام 2007، قررت مقاطعة انتخابات 2010 رفضاً للوضع القائم وقوانين الانتخابات.
ومع اندلاع موجة ثورات “الربيع العربي” في المنطقة عام 2010، اتخذت السلطات الأردنية موقفاً حذراً لحماية استقرار البلاد، مراقبة عن كثب تأثير جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر.
بلغت القطيعة ذروتها عام 2015، حين حظرت الحكومة جماعة “الإخوان المسلمين” رسمياً، ونقلت ممتلكاتها إلى كيان قانوني جديد باسم “جمعية جماعة الإخوان المسلمين”.
غير أن الجماعة الأصلية واصلت نشاطها في السر، معتبرة نفسها الممثل الشرعي، ورافضة الكيان الجديد الذي أُنشئ برعاية السلطة.
أما في المجال السياسي، واصلت جبهة العمل الإسلامي وجودها القانوني لكنها قاطعت انتخابات 2013.
في إجراء آخر فاقم حدة التوتر بين الدولة والجماعة، في يوليو 2023، أقر الأردن قانون الرقابة الرقمية، الذي يجرم أي محتوى يعتبر “مخلا بالأخلاق” أو “مهددا للوحدة الوطنية”، مما فرض قيوداً صارمة على حرية التعبير، خاصة على أعضاء جبهة العمل الإسلامي والمعارضين.
وعلى الرغم من الموقف الأردني الرسمي المعارض للحرب الإسرائيلية على غزة – حيث طردت عمان السفير الإسرائيلي وطالبت مراراً بوقف الحصار – إلا أن الحكومة واجهت احتجاجات شعبية تدعو إلى إلغاء معاهدة السلام، ووقف تصدير الغاز لإسرائيل، وإنهاء أي تعاون تجاري معها.
تداعيات قرار الحظر
يطرح قرار السلطات الأردنية عدة تساؤلات بشأن التداعيات المحتملة للحظر وما قد يترتب عنه بالنسبة للجناح السياسي للجماعة، أي “جبهة العمل الإسلامي”، التي تنشط تحت مظلة قانونية داخل البرلمان، إذ تتضارب آراء المحللين حول احتمال تضييق السلطات الخناق على هذا الفاعل السياسي، فيما يرهن آخرون ذلك بطبيعة نتائج التحقيقات الجارية بشأن وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الجماعة الأم من عدمه.
على صعيد آخر، يرجح مراقبون أن تباشر السلطات ملاحقات قضائية واعتقالات، ما قد يدفع الجماعة إلى الانتقال للعمل السري.
كما أن قرار السلطات الأردنية ليس الأول من نوعه، بل ينسجم مع مواقف دول عربية أخرى كانت سباقة إلى تصنيف الجماعة “تنظيماً إرهابياً”، ووفقا لمختصين بشؤون الشرق الأوسط، فإن القرار يحمل رسالة ضمنية للجهات الداعمة لحماس.
فهذا التطور يعكس أزمة حقيقية داخل حركة حماس، التي باتت على وشك الخروج من غزة، وتبحث عن ساحة بديلة، كما يبدو أن بعض القيادات، التي تحمل وثائق هوية أردنية، ترى في الأردن موقعاً محتملاً للتمركز.
وبالتالي، فإن الجماعة التي تسيطر عليها حماس باتت تنفذ مشروعاً استراتيجياً لتحويل الأردن إلى “ساحة بديلة”، على غرار نموذج حزب الله في لبنان أو الحوثيين في اليمن، ما يشير إلى مشروع دولة داخل دولة بدعم إيراني، وهو ما تخشاه بشدة السلطات وتسعى لإجهاض مثل هذا المخطط المدمر.