كانت حرب أكتوبر ١٩٧٣، بدون مبالغة، حدًا فاصلًا في إعادة تشكيل منطقة القرن الأفريقي في منتصف سبعينيات القرن الفائت، ومن أهم عوامل تقلب التحالفات الإقليمية في سياق الحرب الباردة وتداعياتها في المنطقة. برز ذلك من جهة إعادة الحرب لفرض واقع الأمن القومي العربي في البحر الأحمر وخليج عدن، وإعطاء دفعة قوية للتعاون العربي- الأفريقي، وإن لم يتم استثمارها في السنوات التالية بشكل جدي، وتحجيم النفوذ الإسرائيلي في المنطقة لحده الأدنى (قبل تفاقمه بعد حرب يونيو 1967).، كما في بقية دول أفريقيا جنوب الصحراء.
ولئن أعادت حرب أكتوبر لمصر مكانتها كقوة إقليمية حقيقية ذات أدوار متعددة عربيًا وأفريقيًا ودوليًا، فإن تداعيات الحرب قادت –ضمن عوامل داخلية ودولية بطبيعة الحال- بشكل غير مباشر إلى سقوط نظام الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي في العام 1974، مما ساهم في إعادة تشكيل القرن الأفريقي وتحالفاته حتى تدشين عملية أخرى في نهاية ثمانينيات القرن الماضي بالتزامن مع مقدمات سقوط الاتحاد السوفيتي وتراجع دوره في الإقليم.
النظام الإقليمي في القرن الأفريقي والصراع العربي- الإسرائيلي
هيمنت إثيوبيا، لاسيما منذ مشاركتها في الحرب الكورية في صفوف قوات الأمم المتحدة منتصف خمسينيات القرن الماضي في سياق اتفاق مساعدات الدفاع المتبادلة الموقع بين الولايات المتحدة وإثيوبيا في العام 1953 (وظل قائمًا حتى العام 1977)على النظام الإقليمي في القرن الأفريقي. لقد صاغت أديس أبابا هذا النظام شبه منفرد ربما حتى العام 1969 عقب مقتل الرئيس الصومالي عبد الرشيد علي شارماركي ووصول الرئيس الصومالي الأسبق سياد بري للسلطة في العام 1969 عبر انقلاب عسكري. مما زعزع الانفراد الإثيوبي بهندسة هذا النظام بالتنسيق مع الفاعلين الدوليين.
فيما يخص الصراع “العربي- الإسرائيلي” بساحاته المتعددة، كان لإسرائيل في القرن الأفريقي دور أكثر تعقيدًا من دورها العام في أفريقيا جنوب الصحراء، في ضوء الأهمية الاستراتيجية للإقليم لطرف الصراع الآخر: الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، وهشاشة وضع إسرائيل وانكشافه في البحر الأحمر، لاسيما بعد غلق مصر لمضيق تيران، وهو ما اتضح في تطوير مصر قبل أكتوبر 1973 لعلاقات وطيدة مع الصومال، زادت وثاقتها بعد ووصول الرئيس الأسبق سياد بري للحكم؛ حيث لم تقتصر مواقفه على العداء لإسرائيل، بل ومعاداة أهم حليفين لها في القارة الأفريقية وهما جنوب أفريقيا وروديسيا (زيمبابوي حاليًا).
وجاء في قلب موقف الإقليم من الصراع العربي- الإسرائيلي الرابطة الوثيقة بين نظام هيلا سيلاسي وإسرائيل. وإن كان ملفتًا الاهتمام الإسرائيلي الكبير بإثيوبيا، فيما سعى هيلا سيلاسي إلى الحفاظ على موازنة علاقاته مع “العالم العربي” وإسرائيل، وعدم الوصول إلى مرحلة العلاقات الرسمية الكاملة مع الأخيرة، ويتضح ذلك في حقيقة أنه عندما أقامت إسرائيل وإثيوبيا علاقاتهما الدبلوماسية عقب حرب السويس (1956) وفتحتا قنصليتين في أديس أبابا والقدس، وحدثت إسرائيل في العام 1963 بعثتها الدبلوماسية في إثيوبيا إلى سفارة، فإن إثيوبيا فضلت الحفاظ على حد أدنى من التمثيل الرسمي رغم تزايد تعاون إثيوبيا مع إسرائيل في الشئون الأمنية بالقرن الأفريقي، لاسيما بعد احتدام النضال الإريتري للحصول على الاستقلال من إثيوبيا وتحوله لنضال مسلح في العام 1961.
غير أنه بدا، قبل سقوط هيلا سيلاسي، ارتفاع نبرة الخط المتفهم للقضية العربية في دوائر الخارجية الإثيوبية، لاسيما أن هناك العديد من أفراد النخبة، أبرزهم رئيس الوزراء حينذاك أكليلو هابتي-ولد، كانوا على إطلاع دقيق بالمسألة وعدالتها بحكم التعليم والخبرة العملية التـي اكتسبوها في البلدان العربية وعلى لار، وهو توجه فشلت الدول العربية جميعًا في التعامل معه أو البناء عليه وظلت تطالب هيلا سيلاسي (كما في العديد من المحافل الدولية والإقليمية) بتبني موقف واضح وقطع علاقاته مع إسرائيل، دون النظر لحساسية حساباته أو احتياجات نظامه.
وبعد أن أدت حرب يونيو 1967 إلى استمرار غلق مضيق تيران وقناة السويس للمرة الثانية في تاريخها بعد العدوان الثلاثي، حدث اختراق في “الهيمنة الإسرائيلية” في البحر الأحمر، بتنسيق مفهوم مع إثيوبيا، حيث هاجم مسلحون فلسطينيون في العام 1971 الناقلة الإسرائيلية كورال سي انطلاقًا من جزيرة بيريم (في جنوبي البحر الأحمر). كذلك، استمر التوتر حتى بادرت مصر بحرب أكتوبر وعبرت قواتها قناة السويس ودمرت خط بارليف وبدأت تحرير الأراضي المصرية التي احتلتها إسرائيل في سيناء، بعد أن عمدت البحرية المصرية إلى السيطرة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر عند مضيق باب المندب بدلًا من غلق شرم الشيخ، ما عبر في النهاية عن نجاح مصر في ضبط النظام الإقليمي في البحر الأحمر قبيل حرب أكتوبر، بتنسيق عربي- عربي.
تداعيات حرب أكتوبر على القرن الأفريقي
تعددت تداعيات حرب أكتوبر على إقليم القرن الأفريقي، ومنها أن أصبح الصومال، بدعم كبير من مصر، عضوًا في جامعة الدول العربية في العام 1974، ليصبح ثامن دولة أفريقية بالجامعة. وفي المقابل طورت إثيوبيا توازنًا لمواجهة هذا التقارب المصري- الصومالي (على خلفية دعم سوفيتي للبلدين سياسيًا وعسكريًا)، ووثقت علاقاتها بإسرائيل والغرب، واعتبرت إسرائيل علاقاتها بإثيوبيا الأكثر استراتيجية بين جميع علاقاتها الثنائية مع دول أفريقية، بل إنها حاولت ثني الولايات المتحدة عن تخليها عن الإمبراطور هيلا سيلاسي، الملقب بأسد يهوذا ويرجع نسب أسرته إلى أصول يهودية، في آخر عهده وواصلت تدريب الجيش الإثيوبي الإمبراطوري.
كما كان لحرب أكتوبر وما تلاها من ارتفاع أسعار البترول أثر بالغ على علاقات إسرائيل بدول أفريقيا جنوب الصحراء والقرن الأفريقي على وجه الخصوص. ففي أحد مظاهر التضامن العالم الثالث، أقدمت عشرون دولة أفريقية، أبرزها إثيوبيا، على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في الفترة بين 8 أكتوبر-12 نوفمبر 1973، إضافة إلى ثماني دول أخرى أقدمت بالفعل على هذه الخطوة بدءًا من العام 1973.
ومن جانبها، سعت إسرائيل بعد الحرب، وبعد سقوط نظام هيلا سيلاسي في أكتوبر 1974، لتحقيق مساحة من السيطرة في البحر الأحمر وبدأت في تركيز تواجدها جنوبي البحر الأحمر، ودعمت الحركات المناهضة للدول العربية لا سيما في جنوب السودان وإثيوبيا عبر تقديم التدريب العسكري والاستشارات والأسلحة. وحققت إسرائيل النجاح الأكبر في إثيوبيا حيث عارضتا معًا فكرة تحول البحر الأحمر “لبحيرة عربية”، وأقنعت الولايات المتحدة بأهمية وجود قوات من الأمم المتحدة في شرم الشيخ مما مثل وجودًا رمزيًا لقوات دولية تضمن حرية الملاحة عبر مضيق تيران، وتبنت إسرائيل لاحقًا دعوة جعل البحر الأحمر بأكمله إقليمًا دوليًا لاسيما باب المندب وبعض الجزر العربية في جنوب البحر الأحمر.
وقد شجعت الدول العربية إثيوبيا –في سياق مقدمات وتداعيات حرب أكتوبر 1973- على قطع علاقاتها مع إسرائيل، فيما دعت ليبيا وتونس إلى نقل أمانة منظمة الوحدة الأفريقية من أديس أبابا، ووعد الرئيس أنور السادات باستخدام نفوذه لحث الدول العربية الداعمة لإريتريا على وقف مساعداتها للحركة المسلحة المناهضة للنظام الإثيوبي، وفي مؤتمر لوزراء الخارجية منظمة الوحدة الأفريقية في مارس 1973 لفت مندوب ليبيا إلى “أنه هناك وسطنا من يدعمون الصهاينة والمستعمرين ومن يسمحون لإسرائيل بالتعامل مع جنوب أفريقيا، وأعني إثيوبيا. إن من يساعدون أعداءنا هم أعداؤنا أيضًا مثلهم.” ودفع الهجوم الدبلوماسي المتلاحق الإمبراطور هيلا سيلاسي إلى الرد بأنه في حين أن لإثيوبيا علاقات مع إسرائيل فإنها لا تدعم احتلال الأخيرة للأراضي العربية. وحظي دفاع الإمبراطور بدعم العديد من الدول الأفريقية لاسيما الرئيس السنغالي ليوبولد سنجور.
وفي 23 أكتوبر 1973 أصدرت الحكومة الإثيوبية بيانًا تعلن فيه قطعها علاقاتها الدبلوماسية (أو تعليقها كما فهم من نص البيان) مع إسرائيل “حتى يحين وقت تنسحب فيه إسرائيل من الأراضي المحتلة”، مؤكدة أن الخطوة تأتي اتساقًا مع موقف أديس أبابا المعارض لضم أراضي والذي ترتب عليه مساعي إثيوبية حثيثة لانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في مصر وسوريا والأردن في العام 1967، وتجاهل إسرائيل هذا الانسحاب. وأصبحت إثيوبية الدولة الأفريقية رقم 18 التي تقطع علاقاتها مع إسرائيل والثامنة التي تقوم بذلك منذ اندلاع حرب أكتوبر.
حرب أكتوبر وتقلبات الحرب الباردة
مثلت حرب أكتوبر مفترق طريق في علاقات إسرائيل بالقرن الأفريقي كما الحال مع بقية الدول الأفريقية جنوب الصحراء، لاسيما بعد أن استخدمت الدول العربية ما أطلق عليه الملك فيصل “سلاح البترول” في فرض حظر بترولي للدول التي دعمت إسرائيل خلال الحرب. كما وعدت حكومات الدول العربية المنتجة للبترول بتقديم بترول رخيص ومساعدات مالية.
عكست الحرب تقلبات الحرب الباردة في إقليم القرن الأفريقي بشكل واضح للغاية، لاسيما بعد اندلاع حرب أوجادين بين الصومال وإثيوبيا (1977-1978)، حيث سعى الصومال إلى تحقيق انتصار حاسم في مساعيه لتوحيد “الأراضي الصومالية” واستعادة إقليم أوجادين على خلفية التوتر الأمريكي الإثيوبي، وحسابات خاطئة لنظام سياد بري لمدى التغيير الذي حدث في السياسة الإقليمية ورغبته –حسب تقارير استخباراتية أمريكية- عدم تضييع هذه الفرصة التاريخية أو الامتثال لمطالب السوفييت له بالصبر بعد عرض السعودية منحه نحو 300 مليون دولار مساعدات مقابل الانضمام “لدول الاعتدال العربي”، وما رافق ذلك من تقارب أمريكي- صومالي لاسيما بعد سعي البحرية الأمريكية (1977) لتفعيل الاستراتيجية التي وضعها الأدميرال ستانسفيلد تيرنير تعزيز الوجود الأمريكي في المحيط الهندي للعب البحرية دور متماسك في دعم أهداف السياسة الخارجية الأمريكية ومواجهة النفوذ السوفيتي المتنامي في المحيط الهندي.، وتفادي تكرار التهديد الإقليمي المباشر للمصالح الأمريكية كما تم في تجربة حرب أكتوبر.
وبينما رفض الاتحاد السوفيتي، الذي خرج من مصر بعد طرد الرئيس أنور السادات لمستشاريه العسكريين في يوليو 1972، دعم الصومال عسكريًا بعد قراره شن “حرب أوجادين”، فإنه عزز دعمًا عسكريًا لإثيوبيا بالتنسيق مع دولة كوبا، مما ساهم بشكل كبير في إنقاذ إثيوبيا من هزيمة مذلة، وفي المقابل فإن الولايات المتحدة، التي اتخذت من الصومال حليفًا ضمن استراتيجية تيرنر، لم تدعم الأخير بالقدر المتوقع، وتركته يواجه هزيمة مذلة من إثيوبيا وخسارة نحو ثلث قواته التي بادرت بالدخول في الأراضي الإثيوبية.
سقوط هيلا سيلاسي وإعادة تشكيل القرن الأفريقي
من الواضح أن حرب أكتوبر قد قادت إلى اضطراب أسس السياسة الخارجية الإثيوبية حيث تراجعت أهمية أديس أبابا الدولية ودورها في الترتيبات الأمنية في المحيط الهندي والبحر الأحمر، حيث توقف الدعم العسكري الأمريكي لها بعد نحو عقدين من توقيع اتفاق الدفاع المتبادل (1953)، والتوجه نحو التحالف مع الاتحاد السوفيتي منذ العام 1977. كما عززت تداعيات حرب أكتوبر تآكل مساعي إثيوبيا لتحجيم الوجود العربي في البحر الأحمر (حيث قاد الدعم العربي لحركة التحرير الإريترية في النهاية إلى انفصال إريتريا في العام 1993 وحرمان إثيوبيا من منفذها البحري الوحيد على البحر الأحمر).
وقد اختار هيلا سيلاسي –حسب محللين إسرائيليين- على نحو براجماتي الانحياز للتضامن مع أفريقيا على الصداقة مع إسرائيل. وبدا أن إثيوبيا استجابت للضغط العربي المستمر وانخرطت في السياسة الأفريقية المدية لعزل إسرائيل بعد حرب أكتوبر، لكن رغم ذلك احتفظ هيلا سيلاسي بخطوط اتصال سرية مع الحكومة الإسرائيلية. وعزز ذلك ما أورده آخر سفير إسرائيلي في أديس أبابا في عهد هيلا سيلاسي حنان عينور أن الإمبراطور هيلا سيلاسي ظل موقنًا بأهمية العلاقات مع إسرائيل لكن حقائق الوضع السياسي في العام 1973 دفعته لتعليق الصلات “مؤقتًا”، وليس قطعها رسميًا.
وفي تهدئة واضحة مع نظام هيلا سيلاسي بعد الحرب، تفادت مصر وأغلب الدول العربية “منح المتمردين الإريتريين دعمًا كبيرًا” حتى وقوع الثورة الإثيوبية في العام 1974، وفي الوقت نفسه فإن الإثيوبيين حافظوا في المحافل الدولية على مواقف محايدة نوعًا ما في المسائل المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي. لكن واقعيًا استمر التنسيق الإسرائيلي الإثيوبي قائمًا بعد حرب أكتوبر، حيث امتلكت إسرائيل شبكة استخبارات موسعة ونظام تبادل معلومات مع الأمن الإثيوبي عده خبراء مطلعون أفضل من نظيرتها مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، التي لم يعد لها اهتمام بما يجري في إثيوبيا (بعد تراجع حاد في أهمية قاعدة كانيو بإريتريا الحالية عقب تطور تقنيات الاتصالات والأقمار الصناعية) واكتفت بإرسال تقارير إخبارية قليلة إلى واشنطن. إضافة إلى ذلك فقد تحولت إثيوبيا إلى “مركز عصبي” للتحرك السياسي الإسرائيلي المغطى في بقية القارة الأفريقية. الأمر الذي اتضح في تولى نحو عشرة ضباط ومستشارين إسرائيليين تدريب قوات الكوماندوز الإثيوبية وحرس الحدود الذين قدر عددهم في العام 1974 بنحو 3200، و1200 على الترتيب في الصراع في إريتريا، كما تدخل الإسرائيليون عندما انتقل الصراع الإريتري إلى الحدود مع السودان.
ومع سقوط هيلا سيلاسي في سبتمبر 1974 على يد الجيش، عقب فشل محاولات اللحظة الأخيرة لإنقاذ نظامه عبر زيارته الثانية لواشنطن ومقابلته الرئيس الأمريكي نيكسون (في مايو 1973) وفشل تسويق فكرة وجود خطر دولي يؤثر على “الولايات المتحدة وإثيوبيا والمحيط الهندي والبحر الأحمر” وتوازن القوى الذي تغير بقوة بسبب النفوذ السوفيتي، حسب مضبطة اللقاء بينهما (الذي وصفه مؤرخون بالنهاية الفعلية لهيلا سيلاسي في ضوء تراجع الاختفاء الأمريكي به رغم التوسط الإسرائيلي)؛ ومع تزايد حدة الصراع في إريتريا في مطلع العام 1975 بدأ الإثيوبيون مرة أخرى في طلب المساعدات العسكرية من إسرائيل، التي عبرت عن مخاوفها من احتمال سقوط إثيوبيا وظهور “دولة إريترية عربية” على البحر الأحمر، وإن كان ذلك لفترة وجيزة في ظل قبول إسرائيل تقديم أسلحة عسكرية لإثيوبيا حتى في ظل عدم وجود محادثات رسمية لاستئناف العلاقات بينهما، كما أشار جويل بيترز في كتابه الشهير “إسرائيل وأفريقيا”، وتراجع هذا التوجه بشكل كبير بعد بروز منجستو هيلا ميريام في فبراير 1977 زعيمًا بلا منافس لإثيوبيا وتوجهه لتوثيق صلات بلاده مع الاتحاد السوفيتي.
خلاصة
تشابكت تداعيات حرب أكتوبر في إقليم القرن الأفريقي ذي الأهمية البالغة للأمن القومي العربي والمصري على وجه التحديد، وكانت الحرب في قلب تفاعلات كثيرة أفرزت تغيرات في بنية الأمن الإقليمي في المنطقة، وأدت –بشكل غير مباشر وضمن عوامل محلية ودولية معقدة- إلى تداعي واحدة من أقدم الإمبراطوريات في العالم: إثيوبيا؛ إذ جسدت الحرب وتداعياتها تراجع الأهمية الاستراتيجية لإثيوبيا كلاعب إقليمي حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي باستثناء فترات وجيزة، وكشفت الحرب تدني كفاءة البحرية الإثيوبية في عهد هيلا سيلاسي في عالم تزايدت فيه أهمية طرق الملاحة البحرية حول أفريقيا وآسيا، وأن إثيوبيا كانت في قلب الاستراتيجية المصرية قبل مواجهة إسرائيل عسكريًا، الأمر الذي كشف عنه عراب السياسة الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر في اجتماع مع طاقم وزارة خارجيته في 16 أكتوبر 1974 ومدى جهله، مقارنة بالرئيس السادات، بتطورات الأمور في إثيوبيا والتي قادت لسقوط هيلا سيلاسي وتجاهل كيسنجر وقتها أهمية مناقشة الأمر مع الرئيس المصري الذي اعتقد أن كيسنجر يخفي عنه معرفته بالأزمة، حسب رواية كيسنجر نفسه التي أوردها أكثر من باحث أمريكي. كما توفر حرب أكتوبر دروسًا مهمة يجب استلهامها في الأزمة التي تواجهها القاهرة حاليًا في ملفاتها بالقرن الأفريقي، ربما أبرزها الفهم الدقيق والواعي للمصالح بعيدة المدى، والاعتداد بمبادئ الدور المصري التقليدي في أفريقيا الداعم لحقوق الشعوب وتطلعاتها، وأهمية متانة العلاقات المصرية- الأفريقية على أسس حقيقية.
المراجع
- Agyeman-Duah, Baffour, The U.S. and Ethiopia: The Politics of Military Assistance, Armed Forces & Society, Vol. 12, No. 2, Winter 1986.
Alexander Rondos, The Horn of Africa- Its Strategic Importance for Europe, the Gulf States, and Beyond, Center for International Relations and Sustainable Development (cirsd), Horizons, Winter 2016, Issue No. 6. https://www.cirsd.org/en/horizons/horizons-winter-2016–issue-no-6/the-horn-of-africa—its-strategic-importance-for-europe-the-gulf-states-and-beyond
- Faisal Ali, Somalia and Israel: Do all roads lead to Tel Aviv? Medium, March 30, 2019 https://medium.com/@fromadic92/somalia-and-israel-do-all-roads-lead-to-tel-aviv-b94efd52aba7
- The White House, Memorandum of Conversation, President President Nixon Emperor Haile Selassie, Emperor of Ethiopia Haile Minassie, Ethiopian Foreign Minister Major General Brent Scowcroft, Deputy Assistant to the President for National Security Affairs, Tuesday, May 15, 1973 https://www.fordlibrarymuseum.gov/library/document/0314/1552582.pdf
- Louise Prentis Woodroofe, “Buried in the Sands of the Ogaden”: The United States, The Horn of Africa and The Demise of Detente. (New Studies in U.S. Foreign Relations), 2013 Michael B. Bishku, Israel and Ethiopia: From a Special to a Pragmatic Relationship, Conflict Quarterly, Spring 1994
- Peter Schwab, Cold War on the Horn of Africa, African Affairs, Volume 77, Issue 306, January 1978.
- Roba Sharamo and Berouk Mesfi, editors, Regional Security in the post-Cold War Horn of Africa, 2011.
- Turki Al-Anazi, Strategic Importance of the Red Sea, U.S. Army War College, Pennsylvania, April 2001.
- Wendy Laura Belcher and Bekure Herouy, The Melancholy Translator: Sirak Wäldä Śəllasse Ḫəruy’s Amharic Translation of Samuel Johnson’s Rasselas, 2015.
- Edward Atiyah, An Arab Tells His Story: A Study in Loyalties, John Murray, London, 1946.
- Zach Vertin, Red Sea geopolitics: Six plotlines to watch, Brookings, December 15, 2019 https://www.brookings.edu/research/red-sea-geopolitics-six-plotlines-to-watch
- Kenneth G. Weiss, The Soviet Involvement in the Ogaden War, Professional Paper 269, February 1980, Center for Naval Analyses, Alexandria (Virginia)